أصابع سياسية في الجوائز الإبداعية

مدار الساعة ـ نشر في 2017/03/01 الساعة 00:20
لم تعد الجوائز الفنية والابداعية عموما بعيدة عن التدخلات السياسية ، فمعظم الجوائز بالعادة تحسمها مطابخ القرار السياسي وغرف العمليات الاستخبارية وليس مطابخ اللجان او عمليات التصويت التي تستنزف ارصدة الهواتف الخلوية لانصار هذا الفنان او ذاك الاديب ، وعلى اهمية الادباء العرب ، الا ان الروائي المصري نجيب محفوظ حاز على جائزة نوبل بعد توقيع اتفاقية السلام المصرية الاسرائيلية وتأييده لهذه الاتفاقية كدليل على وجود الاصابع السياسية في الجوائز الابداعية.

قبيل اعلان نتائج التصويت للفائز بالعام الرابع لنسخة اراب ايدول بالعربية قال صديق يمتلك منطقا تفكيكيا بحكم مهنته كمحامٍ ، بأن الشاب المسيحي يعقوب شاهين سيفوز بالمسابقة لحسابات تقتضيها ثقافة الحرب على الارهاب الاخيرة ، فنحن نواجه الارهاب بأدوات خفيفة لا تليق بثقل الحرب ومهامها الجسام حسب قوله ، وبقيت تكهناته في ارضها الى ان تم اعلان الفائز وكان ما توقعه الصديق ، وبملاحظة سريعة لتصريحات كثير من مشاهدي البرنامج فإن الشاب يتمتع بوسامة تفوق موهبته على عكس منافسيه الذين خانتهم وسامتهم ولم تنفعهم موهبتهم كثيرا في برنامج مرسوم بمهارة لتفكيك المشهد الفني على مسلخ الاستهلاك التصويتي .

امس اكتملت حلقة التدخل السياسي، وكان الملعب غربيا هذه المرة و في جوائز الاوسكارالعالمية بفوز مسلمين بجوائز في المهرجان السينمائي العالمي ، والسريالي في المشهد ان احدا من وسائل الاعلام والتلفزة لم يذكر جنسية الفائزين وكأن المهمة الاساسية لتفويزهما هي الاشارة الى دينهما كدليل على سماحة الغرب الثقافية ونكاية بزعيم واشنطن الجديد الذي سارع في اعلان غضبه وتفرقته للمجتمعات الغربية على اسس اثنية ومذهبية ، فالحفل خرج عن تقاليده الفنية لصالح التصفيات السياسية ومن ضمنها اعلان فوز مسلمين بجوائز الاوسكار وكذلك فوز فنانين من اصحاب البشرة السوداء كدليل اضافي على السماحة والنكاية ، وهذه حادثة تتكرر للمرة الثانية في تاريخ الاوسكار واعني فوز فنانين من اصحاب البشرة السوداء .

اقتناص اللحظة لها ضرورتها ، لكن ليس بهذه السذاجة الفجّة وليس بطريقة تكريس التفرقة العنصرية والتفارق الديني بدل توحيد المظلة الانسانية على قاعدة الابداع الثقافي والانساني ، وتكتسب الخطوة سذاجتها اكثر ، كونها احد اسلحة الحرب على الارهاب والتطرف ، فهذه حرب شاملة ويجب خوضها بيقين انساني وليس بتسويات وهمية لن تحقق اية غاية ايجابية في الحرب على الارهاب ، بل على العكس هي تكريس للفرقة الانسانية واضعاف لجوهر الابداع الفني والثقافي بحيث تصبح الجوائز كوتات لمحاور الصراع او تسويات سياسية لغايات نكائية او ارضائية .

عندما خاضت البشرية حربها ضد التمييز العنصري ، خاضته من اجل المساواة بين الجنس البشري ، وعند الحاجة الى اعلاء قيمة التعايش السلمي بين الاديان والمذاهب فالحل يكون باعلاء قيمة الدولة المدنية واساساتها القوية ، سيادة القانون وتعظيم الفهم المؤسساتي ، وليس بخطوات تلامس سطح السذاجة باحسن احوالها ، فالرياضة والثقافة والفنون ، آخر ما تبقى للفضاء البشري كي يمارس انسانيته دون تمييز على اسس غير انسانية وعلى مقاييس غير مقاييس الابداع والمهارة .

ما يجري في المجال الحيوي العربي ليس فريدا عن المجال الحيوي العالمي بدليل انتهاج نفس المنهج في توزيع الجوائز الذي يكشف ان الارهاب ومحاربته وادوات الحرب عليه ممسوكة بيد غامضة تستطيع ان تفتك بالمجتمعات والثقافات بكبسة واحدة ، وان قوة المجتمعات لا تأتي من خارجها ولا بانغلاقها ايضا على نفسها ، فدون امتلاك روح ثقافية محلية وقومية لن يستطيع اي مجتمع من الحفاظ على ذاته امام هجمة القادم الذي يتنقل على رذاذ الفضاء وليس على عجلات .

الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2017/03/01 الساعة 00:20