ألا يستحق الأمر مؤتمراً وطنياً لتشغيل الشباب؟
مشكلة البطالة في الأردن ليست مشكلة جديدة كشفتها مسيرات الشباب الباحثين عن عمل، بل هي مشكلة مزمنة وهي بمثابة «الصخرة» الجاثمة على صدر برامج جميع الحكومات المتعاقبة والتي لم تنجح بإزاحة الصخرة الى درجة يمكنها ان تنعش جسم الاقتصاد الاردني الذي عانى ويعاني من تحديات خانقة خاصة في السنوات العشر الماضية، وتحديدا منذ الازمة المالية العالمية أواخر 2008، مرورا بالازمات السياسية الاقليمية التي أدت الى اغلاق السوقين العراقي والسوري تحديدا.
نسبة البطالة في الاردن وصلت بحسب المصادر الرسمية الى ( 18.6 %) والمؤشرات الميدانية تقول إنها أكثر من ذلك بكثير، وهناك نحو 75 ألف خريج سنويًا ينضمون الى طابور العاطلين عن العمل، وهناك نحو 380 الف طلب توظيف لدى ديوان الخدمة المدنية.
معادلة خلق الوظائف في الاردن أشبه بـ( المتاهة أو الدويخة )، فلا وظائف جديدة لدى الحكومة التي يبلغ عدد العاملين في وزاراتها ومؤسساتها نحو 1.4 مليون موظف، والقطاع الخاص في غالبيته بات في السنوات الاخيرة طاردًا للموظفين وليس مشغلاً لهم لأسباب خارجية، في مقدمتها : اغلاق الاسواق التصديرية، وانقطاع الغاز المصري، وتبعات اللجوء السوري وغيرها،.. وداخلية كالقوانين والتشريعات الضاغطة على القطاع الخاص وفي مقدمتها: قانون الضريبة، والضمان الاجتماعي، والحد الاعلى للأجور، وفاتورة الطاقة، وضعف الحماية للمنتج الوطني، وحتى قانون الابنية وقانون المالكين والمستأجرين، والشراكة مع القطاع الخاص.. وغيرها من القوانين التي أضعفت من قدرة القطاع الخاص على الاستثمار وخلق مزيد من فرص العمل.. حتى قانون العمل الجديد الذي يُناقش في مجلس الأمة عليه الكثير من تحفظات القطاع الخاص.
الحكومة أعلنت عما أسمته «مشاريع النهضة» ضمن «دولة الإنتاج»، وفي مقدمتها 30 ألف وظيفة هذا العام، وتدريب نحو 20 ألفًا ضمن برنامج «خدمة وطن»، وأعلنت عن الدفعة الاولى من المشاركين في مختلف المحافظات.. وكل هذا غير كافٍ في ظل تفاقم الهمّ المعيشي، حتى لم يكد بيت في الأردن يخلو من عاطل أو أكثر عن العمل.
لذلك فان هذا الملف الذي فتحته بقوة مسيرات الشباب الباحثين عن العمل، من الجنوب ( العقبة ) ومن الشمال( اربد )، وقد تتبعها مسيرات أخرى.. تتطلّب من الحكومة تسريع الخطى ومنح هذا الملف أولوية من خلال:
-الجلوس مع القطاع الخاص من أجل تذليل المعوّقات التي تحول دون التوسع في الانتاج وخلق فرص عمل، وتفعيل ما وعدت به الحكومة من حوافز للصادرات، وحوافز لمشاريع المحافظات.
-التواصل مع الاشقاء في دول الخليج تحديدا لمنح الشباب الاردني المشهود له بالكفاءة أولوية في التوظيف.
-تفعيل دور السفارات في الخارج ليكون لها دور بالتعاون بين وزارتي الخارجية والعمل وخلق فرص عمل للأردنيين في الخارج.
- وضع هذا الملف على سلم أولويات مجالس المحافظات واللامركزية وربط توظيف أبناء المحافظات بالمشاريع التنموية في المحافظات.
-تذليل المعوّقات التي تحول دون الاستفادة من المشاريع الصغيرة للشباب الخريج وتذليل معوّقات الحصول على التمويل اللازم من البنوك.
- آن الأوان لربط حقيقي بين مخرجات التعليم وحاجة السوق الى الوظائف كمًّا، ونوعًا.
هذه بعض وجهات النظر التي أدرك أن لدى الحكومة الكثير من التصورات والبرامج والخطط المكتوبة على الورق بانتظار التنفيذ.. وأعلم أن برنامج الحكومة يسعى لزيادة معدلات النمو وجذب الاستثمارات، من أجل خلق فرص عمل للاردنيين وتحسين الخدمات المقدمة لهم، ولديها - كما لدينا أمل كبير بتحسن الوضع الاقتصادي هذا العام، من خلال فتح السوق العراقية، مع تطلع للسوق السورية، ونأمل بنتائج تصب في هذا الاتجاه من خلال مؤتمر «مبادرة لندن»... وغيرها من الاستحقاقات هذا العام. ولكن أعتقد أن مسيرات الشباب الباحثين عن العمل تستحق دراسة تنظيم «مؤتمر وطني» تشارك به كل الجهات المعنية لوضع برنامج قصير ومتوسط وبعيد المدى واضح لتشغيل الاردنيين خلال السنوات المقبلة، شريطة ألا يكون كغيره من المؤتمرات مجرد حبر على الورق!.
الدستور