عدنان أبو عودة من الإقلاع الى الاقتلاع

مدار الساعة ـ نشر في 2017/02/28 الساعة 00:49

بقليل من السخونة اللفظية، يطرح السياسي العتيق عدنان ابو عودة اكثر المواضيع حرارة في الحياة السياسية الاردنية والعربية، فالكهل المُتقدة ذاكرته شبابا، يستحضر ما ينفع المراجعات السياسية في ظرف صعب تعيشه اللحظة الاردنية والفلسطينية على وجه الحصر، فالرجل يكشف نهاية مفاوضات السلام قبل ان تبدأ، أقل من دولة واعلى من حكم ذاتي، هكذا دون مواربة ينقل ابو السعيد النتيجة التي سمعها من شخصية امريكية رفيعة قبل الاعلان اساسا عن المفاوضات وانطلاقتها، اي ان الجميع دخل اللعبة التفاوضية بنتيجة محسومة سلفا، والوقت المُستهلك بعد ذلك هو لتمرير الحل النهائي على قياس البروفايل الامريكي – الاسرائيلي وما بعد ذلك تفاصيل تتطلبها السيرورة السياسية لانتاج قبول شعبي للحل النهائي .
جمعية الرواد الكبار استحضرت مخزون ذاكرة عدنان ابو عودة بداية الاسبوع مع تعليق من نصوح المجالي الذي زامل ابوعودة في المخابرات العامة والاعلام وقليلا من الوقت في الديوان، وقدّم المجالي مرافعة عن السياسي العتيق، فيها من الوصف اكثر ما فيها من التحليل الذي تستلزمه اللحظة الراهنة حيث يجب محاكمة الذاكرة السياسية التي يتمتع عدنان ابو عودة بجرأة طرحها على عكس كثيرين من الساسة الذين اختاروا الصمت او الكتابة المواربة والاسترضائية، تارة للجمهور المستمع اذا ما كان الغضب على السُلطة حاضرا او ما يشبع غرور السُلطة اذا ما كان الرضى عليها حاضرا .
ابو السعيد يكتب الآن مذكراته الشخصية تحت عنوان مثير - من الاقلاع الى الاقتلاع – والعنوان وحده كافيا لاثارة الاسئلة الحرجة لشخصية سياسية بقيت على سرج السلطة ثلاثة عقود، ظلّ فيها لاعبا رئيسا وصانعا للقرار، فهل كانت مكافأة نهاية الخدمة في الدولة اقالة على شكل اقتلاع ام اقلاع لراحة تتطلبها اللحظة السياسية التي باتت اكثر شبابا من كهولة السياسي ؟ هي اسئلة مطلوب من ابي السعيد الاجابة عليها او تحليل موجباتها، فهل فرغت جعبة شاعر القبيلة – كما وصف نفسه ذات حوار -  من ابيات الشعر الملائمة ام ان هذه الذائقة الشعرية اختارت صورا لا تحتملها اللحظة ؟
في الحوارات مع السياسيين تحضر حالة التذاكر في العادة ولا نستحضر جميعنا ضرورة المذاكرة، فالتاريخ جغرافيا متحركة والجغرافيا تاريخ ساكن، والمجاملة صارت اقرب الى الخيانة، ولعل الاجابة على سؤال منهجي وفقا للنتيجة السابقة التي قالها ابو السعيد عن نهاية التفاوض باتت واجبة من شخصية بحجم وعقل عدنان ابو عودة، هل كانت مدريد ومفاوضاتها نتيجة لغزو الكويت وحصار العراق ام ان غزو العراق واحتلال الكويت كانتا سببا او ضرورة لدخولنا مدريد بالاشتراطات المحسومة سلفا، اقل من دولة واعلى من حكم ذاتي؛  والاجابة ليست اختيارية، فعلى ضوئها نستطيع فهم اللحظة المتصلة من سقوط بغداد الى سقوط انظمة وانهيار دول في مرحلة الربيع الخريفي الذي بدأ مع الشرق الاوسط الجديد ومشاريع الدمقرطة الامريكية .
نحتاج الى ان يمتلك ساسة آخرون جرأة عدنان ابو عودة في كشف اسرار التاريخ والية صنع القرار والظروف المصاحبة للقرار والتي ادت الى اتخاذه، فنحن حتى اللحظة نعاني من فقر مزمن في المعرفة نتيجة لغياب المعلومة ونتيجة لامساك كل سياسي على معلوماته لغايات تحسين شروط التفاوض مع السلطة، حتى باتت المعلومة هي رصيد السياسي الوحيد الذي يستند إليه وعليه في لحظات الضيق السياسي او الافول المناصبي .
الدستور

مدار الساعة ـ نشر في 2017/02/28 الساعة 00:49