«مافيا» التعليم والمعاقون حركياً
أنتقد نفسي كثيراً على تقصيري المعلوماتي أو تجاهلي لبعض القضايا نتيجة اليأس من إصلاح الواقع، ولكن لم أكن أعلم كم أنا جاهل لتلك الدرجة التي غابت عني معلومة أن الأطفال من ذوي الإحتياجات الخاصة لا يقبلون في المدارس الحكومية وأيضا الخاصة غير المؤهلة، فهل هذا الأمر حقيقي، وهل نحن بلد لديه منظومة دولة حقيقية تنتصر للأطفال المعوقين على الأقل، من نحن،ومن أي كهف خرجنا، وعلى أي قيم تربينا، أعلى التسليع وتثمين
العواطف أيضا؟ لقد كان «روزفلت» مقُعدا وحكم العالم، فهل ضاق الوطن بطفل.
لقد صدمني مقطع فيديو بعثه أكثر من صديق عبر «الواتساب» منذ أسبوع، لم أفتحه كما كثير من الفيدوهات، ولكن بالصدفة فتحته لأسمع والدة أحد الأطفال تشكو من عدم قبول طفلها المصاب بشلل في قدميه في أي مدرسة، وشرحت معاناتها في فلذة كبدها،وفجيعتها بحكومتها التي هي رب هذا الوطن، كيف باالله عليكم لا يقبل طفل في مدرسة ليتعلم لا ليتعالج، من يتحمل المسؤولية عن سبع سنوات مضت من عمره دون أن يندمج بفئته العمرية من الأطفال الأصحاء أو يجاريهم في التعليم.
السيدة التي لم تذكر أسمها تحدثت بغضب عن معاناة هي في الواقع معاناة كثير من الأسرّ مع أبنائهم من ذات الفئة، ورغم كل الفلسفات الديماغوجية والمؤتمرات الحكواتية والمبادرات الترويجية عن التعليم والطفولة والاستقرار الأسري وحقوق الإنسان، فإن حكوماتنا ومسؤوليها لا يزالون عاجزين عن تغيير جلودهم المتحشرفة، وعلى الجميع أن يخرج معتذرا صاغرا لتلك الأم وجميع الأمهات اللاتي يعانين من ظلم المجتمع رغم صبرهن وقبولهن بقدر االله، رغم الغلّاء وضيق الحال علمت للتو أن «مكرمة» وزير التربية والتعليم الدكتور الفاضل وليد المعاني لإيعازه بقبول طفل من ذوي الإحتياجات الخاصة في مدرسة حكومية،هي قضية ذلك الطفل التي خرجت أمه بكل أسى وحزن لتلعن الواقع، ولو كان الزمن غير الزمن والرجال غير الرجال لأوفدت الحكومة طاقما عرمرما لتقديم الإعتذار والتكفل بتعليم طفلها وتأمين كل إحتياجاته، واتخاذ قرار فوري بشمول جميع الأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة بمشروع
كفالتهم تعليما وعلاجيا، وليس ذلك منّة، فأنا أعلم أن هناك مخصصات دولية تأتي لغايات العلاج ودعم الطفولة وغير ذلك مما لا تُعلم مصارفه.
لقد شجعت الحكومات، التي سهلت تدهور التعليم في المدارس الحكومية، تربية وتوحش مافيا خاصة بالتعليم المدرسي والجامعي تقرر ما تشاء، ولغايات ليس للتعليم دخل فيها، بل للإثرّاء الفاحش على حساب الطلاب من الفئات الأقل حظا وأقل تنمية وأقل تعليما وأقل فرصا لمنافسة طبقة الكريما من المجتمع الأهلي والرسمي، ولهذا رأينا أسماء كثيرة من أصحاب ألقاب المعالي والدولة يديرون جامعات خاصة من خلال مجالس الإدارة والأمناء، فيما المدرسون فيها أجرّاء والطلبة هم «كنز المغرفة» الذي يدرّ عليهم ملايين الدنانير سنويا بعدما كان التعليم كنز المعرفة.
على الحكومة ورئيسها الذي يعرف وزارة التربية والتعليم جيدا، أن تتخذ إجراءاتها لوقف كل تلك الجرائم ضد التعليم، فالتعليم حق مكتسب لكل طفل وبلا ثمن، ووقف إجراءات المدارس والجامعات من حجز شهادات الطلبة العاجزين عن تسديد الرسوم، فهذا الشعب أًصبح أفقر فقرائه يدفع ما عليه للحكومة، وقبول كافة الأطفال في مدارسها، وتخصيص نظام تعليمي لذوي الإحتياجات الخاصة، وغير ذلك لا يمكن أن يقبل إلا إذا كنا دولة «أسبرطة» فلنقتل المواطنين المعاقين والعاجزين ليبقى الجنس الجميل هو المسيطر على قائمة الثروة والحظوة. الرأي