روايات عربية حلقت في سماء العالمية
مدار الساعة ـ نشر في 2016/11/28 الساعة 19:34
الساعة - تتباين الآراء بشأن عالمية الأدب العربي من حيث الانتشار والإشعاع والتداول، لكن هناك شبه إجماع على أن أعمالا أدبية كتبت بلغة الضاد كان لها صدى خارج العالم العربي.
ومن بين التجارب الروائية التي كسرت حدود اللغة والجغرافيا بعض أعمال الكاتب المصري نجيب محفوظ الذي فاز بجائزة نوبل للآداب عام 1988. وفي ما يلي عرض لخمسة روايات عربية ارتادت أفق العالمية في ظروف وسياقات مختلفة.
ثلاثية نجيب محفوظ
يرى اتحاد الكتاب العرب أن ثلاثية الكاتب المصري نجيب محفوظ، المكونة من "بين القصرين"
(1956) و"قصر الشوق" (1957) و"السكرية" (1957) هي أفضل رواية في تاريخ الأدب العربي.
وحظيت الثلاثية عند صدروها باهتمام نقدي كبير فاجأ حتى نجيب محفوظ (1911-2006) التي عانى قبل ذلك من تجاهل النقاد له طيلة نحو 15 سنة، وحظيت تلك الأعمال في وقت لاحق باهتمام الأوساط الثقافية خارج مصر، حيث تمت ترجمتها في البداية إلى اللغة الفرنسية في منتصف ثمانيات القرن الماضي.
وعندما حصل الكاتب على جائزة نوبل للآداب عام 1988 زاد الاهتمام العالمي بكتاباته، وعلى رأسها الثلاثية التي ترجمت إلى عدة لغات عالمية أخرى.
وتدور أحداث الروايات الثلاث حول مسار شخصية واحدة من الطفولة إلى المراهقة والشباب ثم الرشد في العاصمة القاهرة التي يستقي منها الكاتب أجواء الرواية وبيئتها وأسماء شوارعها.
كتب نجيب محفوظ تلك الروايات بأسلوب واقعي، وهو ما دفع ناشرا فرنسيا لوصفه بفلوبير المصري، في إحالة إلى رائد المدرسة الواقعية في الأدب الفرنسية غوستاف فلوبير (1820-1880).
وهكذا جاء البعد الإنساني طاغيا في الثلاثية وبات الطابع الغالب فيها هو نفسيات الشخصيات وأحوالها وظروفها الاجتماعية في بيئة القاهرة التي عاش فيها الكاتب إلى أن وافته المنية قبل عشر سنوات.
وعلق الكاتب المصري طه حسين على صدور الجزء الأول من الثلاثية بالقول إن مؤلفها
"أتاح للقصة أن تبلغ من الاتقان والروعة ومن العمق والدقة ومن التأثير الذي يشبه السحر ما لم يصل عليه كاتب مصري قبله".
ويرى عدد من النقاد أن صاحب الثلاثية تأثر في عمله الروائي بثلاث مدارس أدبية غربي هي الواقعية ممثلة في الكاتبين بلزاك وفلوبير والطبيعية ممثلة في إيميل زولا ومدرسة الروائيين الإنجليز الإدوارديين.
تصنف عدة منابر إعلامية عربية رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" للكاتب السوداني الطيب صالح
(1929-2009) ضمن أفضل عشر روايات عربية، وحظيت الرواية منذ صدورها في لبنان أواخر ستينيات القرن الماضي باهتمام كبير في الأوساط الإعلامية والثقافية والسياسية في العالم العربي وخارجه.
ويعود ذلك الاهتمام إلى طبيعة المرحلة التاريخية، وهي السنوات الأولى لاستقلال كثير من البلدان العربية من ربقة الاستعمار، وبداية ظهور جيل عربي جديد مهموم بأسئلة الهوية والتراث والعلاقة مع الآخر، ومتطلع للحرية والكرامة والديمقراطية.
كما يفسر التفاعل الكبير مع ذلك العمل الروائي مع مسار الشخصية الرئيسية، وهو مصطفى سعيد الطالب السوداني الذي يبتعث إلى بريطانيا في مهمة دراسية وهناك سيشن الكثير من الغزوات النسائية كأنه يصفي حساباته مع المستعمر البريطاني.
وتنتهي تلك التجارب بتعرف مصطفي سعيد على فتاة إنجليزية تدعى جين موريس تتطور
العلاقات بينهما إلى الزواج قبل أن تحدث بينهما خلافات وصراعات تعكس حجم الشرخ الثقافي والاجتماعي بين الشرق والغرب، وبعد سبع سنوات يعود إلى مسقط رأسه في السودان ليلتقي راوي القصة الذي عاش أيضاً في بريطانيا.
ومما زاد من حجم النقاش حول الرواية هو ملامح التشابه بين مسار مصطفى سعيد والمؤلف الذي تابع بدوره دراساته العليا في بريطانيا وأقام هناك وتزوج من سيدة أسكتلندية قبل أن تقوده متطلبات مهنية للعمل في الخليج العربي وفرنسا والعودة لاحقا لبريطانيا.
لكن الكاتب ظل ينفي الربط الآلي بين حياته الشخصية وما ورد في الرواية، وذلك وفق رؤية مفادها أن للعمل الأدبي منطقه الداخلي، وأنه ليست كل رواية هي سيرة ذاتية.
وبعد عقود من صدور الرواية، اعترف الكاتب بأنه استلهم موضوع عمله السردي من قصة طالب سوداني كان مبتعثا للدراسة في بريطانيا، كما اعترف بأن شخصية جين موريس استلهمها من
فتاة بريطانية التقاها بشكل عابر خلال الشهر الأول لوصوله إلى بريطانيا عام 1953، وبقي اسمها عالقا في ذاكرته.
تعد رواية "ذاكرة الجسد" للكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي من أكثر الأعمال السردية تداولا وطبعا وقراءة وتكريما في العالم العربي خلال العقدين الماضيين، وأثارت تلك الرواية الصادرة عام 1993 موجة من النقاشات والسجالات، نظرا إلى طبيعة موضوعها، ولغتها التي مزجت بشكل لافت إيقاعات الشعر بتقنيات السرد.
ولم ينحصر تداول الرواية في العالم العربي، بل تمت ترجمتها إلى عدد من اللغات العالمية، حيث طبعت أكثر من مرة في نسختيها الإنجليزية والفرنسية (في فرنسا صدرت عن واحدة من دور النشر المرموقة وهي ألبان ميشيل) كما ترجمت إلى الإيطالية والألمانية والإسبانية والصينية والكردية.
وإلى جانب الانتشار الجماهيري الذي تعزز بتحويلها إلى مسلسل تلفزيوني، حظيت الرواية -التي تتوزع أحداثها بين فرنسا والجزائر- بقراءات نقدية كثيرة، وتم إدراجها في المناهج التعليمية بعدة مؤسسات أكاديمية عربية وأجنبية، بينها جامعة السوربون الفرنسية المرموقة.
وتدور الرواية حول علاقة غرام بين رسام اسمه خالد بن طوبال فقد ذراعه أثناء حرب الجزائر وفتاة جزائرية تدعي حياة، وهي ابنة مناضل جزائري كان صديقاً لخالد أثناء ثورة التحرير ضد الاستعمار الفرنسي.
لكن تلك العلاقة أحادية الجانب (حياة كانت مغرمة بخالد دون الاعتراف بذلك) ستتشابك أكثر عندما يدخل على الخط صديق لخالد يدعى زياد، وهو ناشط في الثورة الفلسطينية، وتزداد تعقيدات الأحداث وتتجه الأمور نحو زواج حياة من شخصية جزائرية ذات نفوذ في دواليب السلطة في البلاد، وهو ما وضعها في مواجهة مع تقاليد وأعراف مجتمعها، بينما جرفت ظروف أخرى خالد في مسار آخر انتهى بتحطم كل أحلامه.
لرواية "الخبز الحافي" للكاتب المغربي محمد شكري (1935-2003) مسار غريب؛ إذ إنها رأت النور بلغتي شكسبير وموليير قبل أن تنشر بلغة الضاد التي كتبت بها أصلا، فقد كتب شكري ذلك النص المثير عام 1972، لكنه لم ير طريقه إلى النشر باللغة العربية إلا عام 1982 بعد عام على صدور الترجمة الفرنسية بتوقيع الكاتب المغربي الطاهر بنجلون وطبعت دار النشر الشهيرة ماسبيرو.
وقبل ذلك بتسع سنوات، صدرت الترجمة الإنجليزية بتوقيع الكاتب الأميركي بول بولز الذي كان يقيم في مدينة طنجة (شمال المغرب) وتربطه علاقة صداقة وثيقة بمحمد شكري، وترجمت الرواية لاحقا إلى نحو أربعين لغة مما يجعلها من أكثر الروايات العربية ترجمة إلى اللغات الأجنبية.
وأثارت الرواية عند صدورها زوبعة في الأوساط الأدبية والسياسية بين مؤيد ومعارض ومنبهر ومتردد، وظلت ممنوعة لفترة طويلة في المغرب، ولم يتم السماح بنشرها وتوزيعها رسميا إلا في أواخر التسعينيات، كما منعت في عدة دول عربية أخرى تحت طائلة تناولها محظورات اجتماعية.
في تلك الرواية -التي تصنف بأنها سيرة ذاتية- روى محمد شكري فصولا مثيرة من حياته الشخصية والأسرية، وما كابده من فقر وبؤس وعنف، خاصة من طرف والده، وتعرض من خلال ذلك للكثير من "التابوهات" الأخلاقية والاجتماعية في مغرب الخمسينيات والستينيات.
وارتبط شكري الذي ولد في مدينة الناظور وانتقال للعيش في مدينة طنجة بعدد من الكتاب والفنانين العالميين الذين اختاروا الإقامة في تلك المدينة وكتبت عنهما مؤلفات حول حياتهم الشخصية وعلاقتهم الفنية بالمغرب عامة ومدينة طنجة، ومن أبرزهم الأميركيان بول بولز تيني وليامز والكاتب الفرنسي الشهير جان جونيه.
تتناول رواية "رجال في الشمس" للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني (1936-1972) مأساة النزوح واللجوء التي يعانيها الفلسطينيون منذ احتلال أراضيهم ويختصر ذلك العمل السردي الصادر عام 1963 المأساة من خلال نماذج ثلاث رجال فلسطينيين من أجيال وخلفيات اجتماعية متنوعة يجمعهم الحلم بحياة أفضل والسعي لتحقيق ذلك بالسفر للخارج.
وتشتبك مسارات الفلسطينيين في السفر إلى العراق وتزداد التحاما خلال الرحلة الجماعية الشاقة عن طريق التهريب من البصرة جنوب العراق إلى الكويت التي كانت في تلك الفترة رمزا للاستقرار وتحقيق الثروة.
لكن تلك الرحلة التي كان عنوانها الأمل تحولت إلى رحلة موت في الصحراء قرب نقطة الحدود الكويتية اختناقا في خزان مياه بشاحنة يقودها "أبو الخيزران" وهو نموذج للقيادة الانتهازية التي لا تفكر إلا في مصالحها.
ترجمت الرواية إلى عدة لغات عالمية واكتسبت شهرتها بالنظر إلى المكانة الكبيرة التي كانت تحظى بها القضية الفلسطينية في الضمير العالمي في ستينيات القرن الماضي الذي شهد انطلاقة الكفاح الفلسطيني المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وبالنظر إلى القالب القصصي المشوق للرواية وتسلسل أحداثها عبر مسارات تتوازى أحيانا وتشتبك أحيانا أخرى، فقد شكلت مادة خامة منسابة للتحول إلى فيلم سينمائي، وهو ما قامت به المؤسسة العامة للسينما في دمشق عامي 1972 و1973.
وحصل الفيلم الذي استلهم رواية "رجال في الشمس" على جائزة التانيت الذهبي لمهرجان قرطاج السينمائي عام 1973، واختير آنذاك ضمن لائحة تضم أهم مئة فيلم سياسي في تاريخ السينما العالمية.
مدار الساعة ـ نشر في 2016/11/28 الساعة 19:34