حول الفساد المسكوت عنه

مدار الساعة ـ نشر في 2019/02/06 الساعة 17:38
عبدالرحمن خالد الطوره

الفساد سواء أكان ماليا أو اداريا ظاهرة اجتماعية عالمية متفشية في معظم دول العالم وأن كان بدرجات متفاوتة وهو سلوك مبغوض مكروه تنصب عليه اللعنات ليل نهار من الجميع ورغم ذلك يسعى اليه ويمارسه الكثيرون لاسباب كثيرة في مقدمتها وطليعتها غياب مبادىء العدالة الاجتماعية والنزاهة والشفافية في اشغال المواقع القيادية منها والعادية واحساس الكثيرين أن مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين معدوم اذ تسند الامور في تلك المواقع الهامة الى غير أهلها من خلال شيوع أساليب الواسطة والمحسوبية والرشاوى واستغلال النفوذ من قبل مراكز القوى المهينة على صنع القرارت السياسية والاقتصادية بحيث أصبحت مواقع معينة حكرا على عائلات أو شريحة أجتماعية معينة يتم فيما بينها تداول المواقع الهامة في المجتمع مما سبب ويسبب حالة من الشعور بالغبن والمظلومية لدى شرائح واسعة من المجتمع تعتقد وهي غالبا محقة بأن أبناءها لو طبق مبدأ تكافؤ الفرص ينزاهة لكانوا أولى بهذه المواقع من غيرهم ممن حلّوا فيها بدون وجه حق.

يرى بعض الباحثين أن الفساد نوعان : فساد من أعلى الى أسفل وهو الفساد العمودي او الرأسي الذي يهبط من القمة الى القاعدة أي من المسؤول الأعلى في مركز السلطة الى أدنى موظف فيها وهو الفساد الذي نتصدى له بالنقد والهجاء ونطالب بمحاسبة أصحابه واجتثاثه من جذوره وفساد آخر مسكوت عنه بقصد او بدون قصد وهو الفساد الذي يمكن ان نسميه بالفساد الأفقي وهو الخاص بصغار الموظفين وبالمواطنين العاديين عموما والمتمثل باللجؤ للواسطة والمحسوبية والرشوة وعدم الاخلاص في العمل واستغلال أوقات الدوام الرسمي في انجاز أعمال خاصة وكذلك القاء النفايات في الشوارع والساحات العامة او التدخين في الاجتماعات العامة وفي المكاتب الرسمية وحتى للأسف تحت قبة البرلمان من قبل المشرعين الذين من المفترض ان يكونوا قدوة في الالتزام بالقوانين بدلا من أعطاء صورة وقدوة سيئة في هذا المجال. ان الفساد كظاهرة اجتماعية ليس نبتا شيطانيا وانما هو نتيجة تربية اسرية واجتماعية أي أنه سلوك مكتسب ومتعلم مما يسمعه أو يشاهده الانسان منذ نعومة أظفاره من أقوال وأفعال ترسخ في ذهنه أن وسائل كالواسطة والمحسوبية مثلا هي التي تحقق له أهدافه بأقصر الطرق وبأقل جهد ممكن. الانسمع جميعا ونشاهد بل ونردد أن فلانا أفضل من علان لانه "خدم جماعته وأنه زلمة وجدع وأخو أخته وجريء وصاحب قرار وزقرت ؟! " بل يصل الأمر بمدحه بأوصاف تستخدم في الأساس بمواقع الذم والقدح وهذا من أغرب الأمور حتى ان الممدوح بهذه الأوصاف يتقبلها بصدر رحب في حالة مدحه والثناء عليه في حين لو قيلت له في اوقات الخصام لارتكب ضد مطلقيها اعتى الجرائم ومثال ذلك وصف الشخص الذي يستغل نفوذه بأنه " وآسف على ذكر هذه الالفاظ " ابن حرام وعرص وقواد وأخو كذا وأبن حرام " وغير ذلك من ألاوصاف البذيئة التي تستخدم عادة في مجال الذم والقدح وليس في مجال الثناء والمدح! أما الشخص الذي يسلك الطرق الطبيعية المشروعة ويحافظ على الانظمة ويحاول قدر الامكان ان لايميل او ينحاز لأي شخص على أسس القرابة او المنطقة او ماشابه ذلك ويحاول ان يعطي كل ذي حق حقه بغض النظر عن أية اعتبارات عدا اعتبارات الكفاءة والقدرة فهو" مسكين ومافيه خير لجماعته ! ان معظمنا مسؤولين ومواطنين نمارس مثل هذه السلوكات التي نحاربها نظربا ونمارسها عمليا رغم مظاهر التدين الكاذبة والخادعة التي نتظاهر بها يوميا او في المناسبات الدينية من صوم وحج وأيام الجمع ومظاهر الخشوع في صلوات التراويح وأدعية القنوت وارتفاع الأكف فيها الى السماء مرددين خلف الأمام كلمة آمين التي يتردد صداها في جنبات المساجد وخارجها لكن دون أن يستجيب الله الينا لانها أدعية لايتعدى أثرها عند غالبيتنا الحناجر. لن تنهض مجتمعاتنا من رقدتها التي طال أمدها مادمنا نسير في هذه الدروب السيئة وما دمنا ندعي قولا ولانمارس ذلك فعلا بأننا خير الأمم وما دمنا نزعم أن الأمل معقود علينا في انقاذ البشرية مما هي فيه حسب اعتقادنا من ظلال وانحلال وتدهو أخلاقي وكأن مجتمعاتنا مدن فاضلة وسكانها ملائكة أبرار أطهار ولذلك ندعو على تلك الأمم التي هي سبب لما ننعم فيه والبشرية من تقدم في كل المجالات ندعو عليها صباح مساء بأن يدمر الله حضارتها وأن يشتت شمل شعوبها وأن يجعل أموالها ونسائها غنيمة لنا كمسلمين!!

اذا اردنا فعلا أن نكون في طليعة أمم العالم ثقافيا وسياسيا واقتصاديا وحضاريا فعلينا أن نعطي المثل الأعلى في السلوك قولا وعملا وأن نكون قدوة في كل ما هو خيّر وايجابي فعندها سيستمع العالم لخطابنا وينظر الى سلوكنا وأفعالنا ويسعى الى تقليدنا ، فالاسلام الذي ندعي بأننا حملة رسالته ونريد نشره في العالم وتطبيق تعاليمه وشرائعه كنموذج للحكم الرشيد ،هذا الاسلام الذي ندعيه لم ينتشر ويكتسح كالاعصار امبراطوريات كانت ملء السمع والبصر لولا أنه قدم خطابا جديدا تجلى وتجسّد أولا في سلوك حملته ودعاته فوجدت فيه تلك الشعوب أداة ووسيلة لتحررها من أنظمة الاستبداد والفساد والطغيان التي كانت ترزح تحت وطأته.
  • مال
  • اقتصاد
  • لب
  • الموظفين
  • أعمال
  • البرلمان
  • قوانين
  • صورة
  • علان
  • تقبل
  • مناسبات
  • الدين
  • اردن
مدار الساعة ـ نشر في 2019/02/06 الساعة 17:38