الملك وعامل الوطن والميكانيكي والخير بوجهك
يلتقي الملك وزراء خارجية دول عربية الأربعاء الماضي، وفي منتصف النهار موعد للقاء شعبي مع الأهل في الرمثا، وبعد نهار مثل بحديث السياسة والإقليم، يسير الموكب الملكي شمالاً، وينتبه الملك إلى لافتة ترحيب معلقة على محل ميكانيك، لشاب رمثاوي هو وليد أبو عرب، فيُوقف الملك سيارته، وينزل للسلام على الشاب ويدعوه معه لتناول طعام الغداء.
وصل الملك المدينة وقال كملته، «أريد مشاريع وافكارا»، فذلك ما يُعمر في الأرض وما ينتفع به الناس، وهو الأبقى لهم، إذ يُدرك الملك أن مدحه يكون بالعمل والانتماء إلى الأرض والوطن، فكان اصطحاب الشاب أبو عرب الذي يأكل من كدّه وتعبه ولا يَطلبُ وظيفةً، رسالة للجميع بأن المساعدة تكون بمساعدة انفسكم أولاً، وبالعمل والبذل.
قبل أقل من شهر، وصلت رسالة عامل الوطن خالد الشوملي، عبر صورته، حيث فضّل خالد متابعة مباراة الاردن مع استراليا من خارج مقهى، كي لا يقطع ممارسة عمله، وبعد أيام يؤتى بخالد برغبة ملكية ويتابع مع الملك وولي العهد المباراة التالية في بيت الملك.
السمات الموضوعية للقاءين مع وليد أبو عرب وخالد الشوملي أنها لفتة ملكية سامية، فذلك ما جاء في الإعلام، ولكنها أيضاً رسالة في اتجاه قيمة العمل، وأن الولاء وحب الملك يكون أحياناً بصورة اخرى أكثر نفعاً عبر العمل الذي مهما كانت منزلته فهو مقدس وهو الذي يبنى الأوطان.
التعييش للملك والانتماء يكون بمثل ما فعل خالد، ووليد الذي لم ينتظر دوره على بوابة ديوان الخدمة المدنية، فهو مستقل وليس تابعا للدولة، ولا ينتظر آخر الشهر أمام الصراف الآلي بقية الراتب.
ذات اليوم، حيث عيد ميلاد الملك، ينطلق ركبٌ لشباب أردني في مبادرة «الخير بوجهك»، فيُحيلون يوم ميلاده، خيراً وغوثاً وعوناً لمناطق في قرية ارحاب في محافظة الطفيلة، فسلطان الخلايلة ومحمد القرالة وسليمان القضاة، ومن معهم من خيرة الشباب، لا يوجد ماكينة إعلامية معهم، ولا فريق سوشيال ميديا وليسوا تياراً مدنياً أو وطيناً او محافظين، هم تيار «أرض وطني» إن صح القول، هم الذين يحبون الملك ويحبون الوطن ومثلهم كُثر من شبابنا الأردني، فيرسمون الخير على وجه الناس هناك، ويفتتحون مخبزاً وصالون حلاقة في سلسلة مستمرة من أعمالهم وحملتهم لأكثر المناطق فقراً وحاجة.
لم يقل لهم مسؤول عماني من الذين وصفهم الملك بأنهم لا يعملون و»لا يلزمونا» شكراً، ولم يكرمهم أحد، وهم لا يسعون لذلك، ولم ينالوا وساماً ملكياً؛ لأنهم ببساطة يخدمون الوطن والقيادة دون طمع بشيء، لكي يعينوا الناس في قرى ومخيمات الاردن.
هم من يمثلون الفزعة الأردنية الحقيقية، وهم من يفيضون خيراً، باسم وجه الملك وجه الخير، ربما دون أن يعلم بهم، لكنه حتما يصله دعاء الامهات الفقيرات والأطفال الذين لم يروا صالون حلاقة في حياتهم.
اولئك هم المستقبل ابو عرب والشوملي ومبادرة الخير بوجهك، وكل مبادرة لا تسعى للأضواء، بل للخير في الناس والأرض دون بهرجة، وهناك قصص أخرى لاردنيين كُثر في مثل ما ذكرنا، لكن هناك ايضاً نفاق كثير وعجز واتكاء على الدولة ومطالب غير منطقية، تطلب لأن الناس تثاقلوا إلى الارض، والحكومات فشلت في بناء قدرات الافراد ولم تشجعهم بجدية كاملة على المشاريع الصغيرة بمثل ما فعل أبو عرب وغيره من قصص ناجح الاردنيين.
أخيراً من يحب الملك والوطن فليكن مبادراً وعاملاً وفيًّا للحياة والأرض، ولا ينتظر الدور عبر بوابة ديوان الخدمة المدنية ولا يقول: وظفوني بالحكومة. الدستور