الحياة الدنيا من زاويتين

مدار الساعة ـ نشر في 2019/02/03 الساعة 00:06
تتناول آيات القرآن الكريم الحياة الدنيا من زاويتين اثنتين، الزاوية الأولى تتحدث عن حقيقة هذه الدنيا الفانية، التي متاعها مهما كثر فهو قليل زائل، وزينتها مفارقة، وغنيمتها حطام يسير إلى نفاد، وهي لا تدوم لأحد، ولا يدوم أحد لها، فهي كالمتاع المغشوش، الذي ينطلي غشه على المشتري فيشتريه، ثم يظهر له فساده، ويدرك متأخرا أنه لا يمكنه الاستفادة منه، ولا يجد بدا من التخلص من هذا المتاع الفاسد. فليس الانشغال في هذه الحياة الدنيا أكثر من لهو ولعب لا فائدة منه، ولا طائل له. كل ما سبق يدعو الإنسان للحذر من الدنيا والتوجه للزهد والعزلة، وأن يكتفي من الدنيا بأقل القليل كي لا تأسره بحبها، وتبعده عن الله تعالى. وهذا المفهوم ينأى بالإنسان عن وظيفته المهمة التي تتجلى بعمارة الكون، وهنا تبرز الزاوية الثانية حيث زين للناس حب الشهوات، لينجذبوا للدنيا وزخرفها، ونجد أن للدنيا ثوابا كما للآخرة ثوابا، وأن في الدنيا حسنة كما في الآخرة، وأن الطيبات في الدنيا للذين آمنوا، ولا ينبغي على المؤمنين أن يحرّموا زينة الله التي أحلها لهم، وجعلها رزقا طيبا، وكل هذا يشجع على العمل في الدنيا والانطلاق فيها.
هما زاويتين، ينبغي على الإنسان أن ينظر للدنيا من خلالهما، لكن لكل زاوية وقتها، فإذا رأى الإنسان نفسه يتكاسل ويزهد في الدنيا ونعيمها، ويريد الخمول بدعوى طلب الآخرة، فينبغي عليه أن ينظر للدنيا من خلال الزاوية الثانية التي تحض على العمل في الدنيا، وتطلب عمارتها. أما إن أحسّ من نفسه انجذابا إلى زخرفها وزينتها، وضعفت قوته أمام جاذبيتها، فأسرت قلبه، ووقع في حبها، وتوهّم أنه سيخلّد فيها، فعمل لها، ونسي الآخرة والحساب بنشوة سكرته التي أصابته بسبب شرب قلبه لحب الدنيا وزينتها، فعندها ينبغي عليه النظر إليها من خلال الزاوية الأولى، التي تكشف وجهها الآخر، فيرجع الاعتدال في التعامل معها، ولا ينسى آخرته.
هو منهج تربوي يرجع الإنسان من حالة الإفراط أو التفريط إلى حيّز الاعتدال والوسطية، ليقوم بمهمته على أكمل وجه، ويفوز في الدارين. الدستور
  • نعي
  • لب
مدار الساعة ـ نشر في 2019/02/03 الساعة 00:06