الانتحارُ خيطٌ رفيعٌ
وكم منّا يعلم أن الفقير لا يؤخذ بكلامه، وإن كانت له الحجة، كما وأنّه منتقص في مجتمعه، يطلب الزواج ولا يُزوج، يدخل على الناس فيعدوّنه غريبا ووصلت فينا أن نعيّر بعضنا بفقرنا، ولا ندرك بأننا كلنا فقراء.
محمود (اسم مستعار) شاب جامعيّ مثقف من طبقة لا أستطيع أن أُميزها لكنه أفضل من غيره عمره ثلاثون عامًا يروي "في لحظةٍ ما بعدما أن ضاقت بي سُبل الحياة واسودّت بوجهي الدنيا وقُفّلت الأبواب جميعها بوجهي راودتني فكرة الانتحار، وأن أتملّص من هذه الحياة التي أركض خلفها لأعيش كما يجب أن تُعاش، دراستي بالدّين، أعمل بوظيفتين لأسدد ما عليّ من التزامات وأن استمر لغدي لم أعد اتحمّل ضغوطات من كل الجهات".
يقول "والله إني بخاف ربنا وبمشي الحيط الحيط ويارب الستيرة بس لا مصاري، وبيت أجرة، ومصاريف عائلية، واريد أن أتزوج، والهموم تلتحم بي يومًا بعد يوم شو أعمل لا وظيفة حكومية، ولا إشي مأمن وعلى شو خايف، في ليلةٍ سوداء حسب وصفه غطّ في نومٍ عميق،واستيقظ متجهًا للصلاة والاستغفار من الرب الأعلى، واستمر بإيمان بهذه الدنيا مقتنعًا بأنّ كل شيء مكتوب، والقادر على أن يطعم الدودة العمياء في بطن الصخر والأرض قادر على أن يطعم عبده محمود".
في أعوام سابقة لم يكنْ خبر الانتحار متداولًا في المجتمع الاردني، كما هو الآن لا يمرُّ يوم إلّا ونسمعُ فيه عن حالة انتحار أو فشل لمحاولة انتحار والأسباب أصبحت لحدٍ ما تشجيعية لفئة الشباب المقبلة على الحياة، وإن لم تكن تشجيعيّة فهي قرار ذاتي لإنهاء قدره بيده بوسائل مختلفة ومتداولة، ويبقى للحظات فقط محطّ حديث الناس من تساؤلات وتحليلات واجتهادات شخصيّة، هذه القضية من أهم القضايا المجتمعية المقلقة والتي تثير العديد من التساؤلات حول ماهية الاسباب التي تدفع الإنسان للانتحار؟ وما هي أهم التغيرات الاجتماعية وراء تزايد حالات الانتحار وطرقه المختلفة الحديثة كالحرق أو التهديد بالانتحار من مناطق مرتقفة.
الانتحار يعتبر خيطاً رفيعاً ورفيعاً جدًا يمسك بروح الإنسان ويتأرجح في داخله قبل خارجه لتجعله يأخذ قرارًا بأن يُنهي قدره بالوقت الذي يريده حسب الظروف المحيطة فيه ولن تكون بعيدة عن أوضاع المحيط الذي يعيش فيه ومن اهم الأسباب الواقعية التي تدفع الإنسان للتفكير مجرد التفكير بالانتحار بنقطتين مهمتين هما:
ضعف الدين : لن أقول البعد عن الدين، بل ضعف في الدين وهي أدّق من البُعد لأنّه ببساطة لو فكّر الإنسان لماذا خُلق لما أجهد نفسه في تفكير برزقه المكتوب له، وأنه سيأخذه لو كان في أبراج مشيّدة.
وبسداد ديونه التي أثقلت عقله، والتزامات بيته التي لا تنتهي، ومسؤولياته التي تكبر يومًا بعد يومٍ، من الممكن القارىء يقول مباشرة أن هذه الكلمات عبارة عن كلمات نظرية فقط؟نعم صحيح لكن مستنبطة من منهج حياه بأكملها وهو القرآن الكريم أين أنت عنه ؟قبل أن تفكر بالانتحار !، ولن أعقد مقارنة بالأزمان لانها تختلف من زمان إلى آخر والقرآن صالح إلى كل زمان ومكان؛فعجبًا لك يا ابن آدم!
لن أُلقي سبب الانتحار على القرارت الحكومية برفع الأسعار على المواطنين لأنّها حجة ضعيفة وإن لم يتفق معي القارىء؛والسبب أن أتحدى الله في أجلي الذي كتبه لي...ونهاية المطاف لا دنيا ولا آخره،عجبًا لك يا ابن آدم!،فعندما تبتعد او تضعف تحديدًا عن هذه النقطة فأنت فقدت لكل شيء سواء كنت متعلمًا أو غير ذلك.
الفقر : يعد الانتحار السبب الثاني للوفاة للذين تترواح أعمارهم بين 25 – 29من فئة الشباب حسب ما رصدته منظمة الصحة العالمية ،لكن موخرًا سمعنا عن خمسيني واربعني وثلاثيني وعشريني حاول أن يقدم على الانتحار،أو انتحر شنقًا أو حرقًا أو قتلًا نتيجة أسباب مجهولة أو إن ذكرت الأسباب إمّا أن تكون نتيجة تناوله عقاقير مخدرة أو نتيجة اليأس وما ينتج عنه من حالات للاكتئاب، والمعروف أن الانتحار موجود في كل المجتمعات لكن ظاهرة مقلقة جدا في دول العالم الثالث لكثرتها باستمرارية. كيف لنا أن نسيطر عليها ؟بعد أن أصبحت بشكل مفاجىء غير معلن (بالخفاء) بالعّادة يحاول المقبل على الانتحار أن يهدد بإقباله على الانتحار وكثيرة الحالات التي شهدنا عليها !
الفقر لا يبرر بالمطلق،والانتحار ليس مبررأيضًا،أنبررُ فقرنا بانتحارنا ؟ وننهي مشكالنا بمشكلة أخرى تُخلف وراءها العديد من المشكلات ! والتي اعتبرها البعض موضة !!
جميعنا نمرّ بهذه الحالة تلتحم السحب مع بعضها البعض لتشّكل غيمة كبيرة سوداء مخيفة تحجب السماء الزرقاء وكل أثرٍ للشمس دون إنذار، جميعنا تتصاعد أمواج الحياة على رؤوسنا ونفقد شعور المقاومة ويتسلل الخدر إلى أدمغتنا لنفقد كل الرؤية ونعيش حالة من الصراع السوداوي، لكن كفى فمسارات حياتنا كلها تقررها هذه اللّحظات التي نقف بضعف أمامها بين هاجسين إمّا أن تُقاوم أو تستسلم وتسحق بإيمان جذور اليأس التي حاولت في لحظة ما تغذيتها دون وعي.
TAQWA11ALALI.GMAIL.COM