الانتحار في الأردن إلى ارتفاع
مدار الساعة ـ نشر في 2019/01/31 الساعة 10:05
مدار الساعة - على مدى السنوات الماضية، ازدادت نسبة الانتحار في الأردن، من دون أن يعني ذلك أنها باتت مرتفعة. على الرغم من ذلك، هناك مطالبات بإجراء تحقيقات متكاملة مع مراعاة الجانبين الاجتماعي والنفسي لمنع تكراره.
تسجّل في الأردن حالة انتحار واحدة كل ثلاثة أيام. وتشير إحصائيّات رسمية حكومية إلى تسجيل 80 حالة انتحار حتى نهاية يونيو/ حزيران الماضي. وتكشف إحصائيّات مديرية الأمن العام أنّ حالات إنهاء الحياة تتزايد خلال السنوات الأخيرة في البلاد. عام 2012، سجلت 86 حالة وارتفعت الحالات عام 2013 إلى 108، وبلغت عام 2014 مئة حالة، وازدادت عام 2015 إلى 113 حالة، و120 عام 2016. وارتفعت إلى 130 عام 2017.
وخلال عام 2018، توزّعت حالات الانتحار على مختلف مناطق المملكة. إلا أن جسر عبدون، أحد معالم مدينة عمّان العاصمة، شهد خمس حالات انتحار وخمس محاولات. وشهد العام الماضي محاولة انتحار غريبة حين حاول عجوز عمره 100 عام الانتحار إثر خلاف مع زوجته. كما شهد العام الماضي محاولة انتحار أب واثنين من أبنائه بسبب الأوضاع المعيشية، فيما فشلت محاولة انتحار جماعية لأربع فتيات مقيمات في أحد دور الرعاية الاجتماعية، من خلال تناول موادّ تنظيف كيميائيّة.
وبحسب الأرقام الصادرة عن إدارة مراكز الإصلاح الأردنية، بلغ عدد محاولات الانتحار في مراكز الإصلاح والتأهيل منذ بداية عام 2018 وحتى سبتمبر/ أيلول الماضي 105 محاولات، في حين بلغ عدد محاولات الانتحار بين السجناء في مراكز الإصلاح عام 2017، 148 في مقابل 135 عام 2016.
يقول مستشار الطب النفسي والإدمان عبد الرحمن مزهر : "العوامل الاقتصادية، منها الفقر والبطالة، والعوامل الاجتماعية المرتبطة بالزواج والأسرة، وإدمان المخدرات والانتشار الواسع لهذه الموادّ في الفترة الأخيرة، من الأسباب الرئيسية لارتفاع نسب الانتحار في الأردن". ويشير إلى أن الأمراض النفسية تتسبّب بنحو 25 في المئة من حالات الانتحار في العالم، كالاكتئاب وغيره. ويوضح مزهر أنّ الحالات والأرقام المعلنة حول الانتحار في الأردن غير دقيقة، لافتاً إلى أن الأرقام أكبر، لكن الخوف من الوصمة يجعل كثيرين يلتزمون الصمت. نسمع عن حالات غرق أو وفاة بسبب جرعة زائدة من الأدوية أو المخدرات، أو أثناء تنظيف السلاح وغيرها. "لكنّ الخوف من الوصمة الاجتماعية يدفع أهالي الضحايا إلى الصمت".
يضيف مزهر: "الانتحار لم يعد حالة فردية في الأردن، بل قضية أساسية يجب الحديث عنها دائماً للتوعية منها قبل أن تتحول إلى ظاهرة. حالات الانتحار إلى ازدياد خلال السنوات الأخيرة"، مشيراً إلى أن التحذير من ازدياد حالات الانتحار في الأردن ينطلق من أسس علمية. ويتابع: "نفتقر في المملكة إلى بيانات دقيقة حول الانتحار، وسجلات توضح التفاصيل المرتبطة بذلك. لكن يظهر أن جميع الحالات تقع في المناطق ذات الدخل المنخفض". ويوضح مزهر أن انتشار استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير أدى إلى العزلة عن العائلة. ويعيش الفرد في عالم افتراضي يؤدي إلى تفكك اجتماعي وأسري، إضافة إلى زيادة الضغوط على المواطن.
من جهته، يقول مستشار الطب الشرعي والخبير لدى الأمم المتحدة في مواجهة العنف، هاني جهشان لـ "العربي الجديد": "في الأردن كما في غالبية دول العالم الثالث، لا تتوفّر الأبحاث الأكاديمية المتعلقة بدوافع الانتحار. غالبية محاولات الانتحار لا توثق في أقسام الطوارئ في المستشفيات، سواء في القطاع العام أو الخاص. وما من دليل أو إجراءات طبّية ترغم الأطباء على التبليغ عن كل محاولات الانتحار".
وتقيس منظمة الصحة العالمية الانتحار بعدد الحالات لكل مئة ألف من السكان في العام الواحد. وفي الأردن حالة وفاة واحدة لكل مئة ألف من السكان في العام الواحد، وهو معدل منخفض بالمقارنة مع الدول الإسكندنافية واليابان. يضيف أنّ "الانتحار مرض يجب التعامل معه من منظور صحّي بهدف الوقاية منه، والوقاية من محاولات تكراره في حال حدوثه. هنا، يجب التوضيح أن الرقم، وإن كان منخفضاً، يتطلب تدخلاً أكثر جدية، لأنه يمكن الوقاية من الانتحار معظم الأحيان". ويوضح جهشان: "تحديد دوافع الانتحار والظروف عادة ما توثق من الادعاء العام. أما مشاركة الطبّ الشرعي، فهي قائمة على تحديد سبب الوفاة. وفي أي حادثة يشتبه في أنها محاولة انتحار، يجب أن تكون هناك تحقيقات للشرطة تراعي الظروف الاجتماعية والنفسية".
ويقول جهشان إن "تشخيص ظروف أي وفاة سواء أكانت جنائية أم انتحارية أم طبيعية، يتطلب في الكثير من الأحيان عملاً تشاركياً بين الجهات المختلفة (الادعاء العام، الطبّ الشرعي، الطبيب المعالج، المحلل النفسي، الباحث الاجتماعي) للوصول إلى قرار قاطع بأن الوفاة تمت نتيجة انتحار، والتفاوت في الأرقام ما بين الجهات المتعددة سببه المباشر الإخفاق في تنفيذ هذا العمل التشاركي. لكن التفاوت ضئيل ولا يغير النسبة بالمقارنة مع عدد السكان بشكل كبير". يتابع: "أي محاولة انتحار ترصد في الأماكن العامّة بسبب شيوع أجهزة التواصل الرقمية الحديثة، أو الحالات التي تصل إلى طوارئ المستشفيات، لها جذور. ولا يمكن استبعاد أن تكون أي محاولة انتحار مجرد تهديد للفت الانتباه لقضية شخصية أو اقتصادية أو سياسية، إلا أن التفريق ما بين الدوافع الحقيقية للانتحار أو إحداث محاولة انتحار يتطلب دراسة كل حالة على حدة من فريق متعدد التخصصات الطبّية والنفسية والاجتماعية والقانونية. والأهمية لوجود فريق كهذا هي الوقاية وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي ومعالجة أي دوافع نفسية للانتحار".
ويؤكد جهشان أن الوصمة الاجتماعية من دون إجراء استقصاء علمي منهجي حقيقي حول الدوافع، يعدّ خطراً، ولا يؤدي إلى منع تكرار حوادث الانتحار وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي والتأهيل الأسري. وتشير بعض الدراسات إلى أن "إحداث محاولة انتحار" بقصد لفت الانتباه أو الحصول على مردود أو تحقيق مطلب ما هو إلا حالة نفسية بحد ذاتها تستوجب الدعم النفسي. وفي بعض الأحيان، تكون هناك محاولة انتحار بقصد تحقيق مطلب. لكن الشخص يفقد السيطرة على الظروف المحيطة وتكون النتيجة الموت بعد إيذاء النفس، كما حصل قبل بضع سنوات أمام وزارة التنمية الاجتماعية، حين عمد أحد الأيتام إلى التهديد بحرق نفسه نتيجة رفض الوزارة الاستجابة لطلبه. وفي النتيجة حرق نفسه وانتهت حياته.
ويوضح جهشان أنّ غالبية حالات الانتحار تحدث سرّاً. لكنّ التعميم بأنّ حالات الانتحار في الأماكن العامّة يهدف إلى لفت النظر خطير. العديد من محاولات الانتحار الحقيقية التي انتهت بالوفاة حدثت في أماكن عامة، لأن اختيار وسيلة الانتحار يعتمد مباشرة على البيئة المحيطة وثقافة المنتحر. وقد يعتقد الشخص الذي يحاول الانتحار أن أفضل طريقة لديه هي قذف نفسه من مكان مرتفع لا استخدام المسدس أو السم أو أداة حادّة أو حرق نفسه. ويكمل جهشان أن هناك مسؤولية وقائية على أمانة العاصمة والبلديات والدفاع المدني، تتعلق بالأبنية المهجورة أو قيد البناء، من خلال منع الوصول إليها بشكل محكم، إضافة إلى المباني والمنشآت الشاهقة كالجسور، وغيرها.
العربي الجديد
مدار الساعة ـ نشر في 2019/01/31 الساعة 10:05