باوزير يكتب: اليمن في الوثائق الهاشمية
مدار الساعة ـ نشر في 2019/01/26 الساعة 15:15
مدار الساعة - بقلم: د. باسل باوزير
الجزء الأول: أحداث مقتل الامام يحي آل حميدالدين 1948.
تقديم: يكتسب التاريخ الرسمي الوثائقي أهمية بالغة لجهة تغذيته للذاكرة الجمعية للشعوب بالمعلومات والحقائق عن فترة زمنية سابقة آمن الناس فيها بجملة من المقاربات المعرفية لتاريخهم قد لا تكون دقيقة بأي حال. يقول جاك لوغوف في مقالة له عن الوثائق : ” إن التاريخ يعيش اليوم ثورة وثائقية تربطها بالتاريخ الجديد علاقة غامضة .." فالتاريخ الجديد لا يمكن كتابته من دون الوثيقة التاريخية. فالحقائق والمعلومات التاريخية تبقى مخفية لأوقات طويله حتى تبدأ بالظهور، وعندما تظهر، تكون الناس التي عاشتها قد داهمتها سنين العُمر على ما عرفته من أحداث في أول عهدهم بها. أو انها غادرت الدنيا وهي مؤمنة بصحة ما عاشوه وما علموه. سأنشر هنا ضمن سلسلة من الأجزاء وثائق أردنية مهمة عن اليمن تقع بين عامي 1948 و 1950 ، حيث أفتتح العام 1948 بمقتل الامام يحي في أحداث ما عرف بالحركة الدستورية وهذه الأحداث سبقت أهم حدث تاريخي في اليمن هو يوم السادس والعشرين من أيلول / سبتمبر 1962 ، وكان أن هزّ اليمن والمنطقة ، وشكّل منعطفا تاريخيا في سيرورة اليمن واليمنيين حتى يومنا هذا. وإنني إذ أنشر هذه الوثائق من منطق باحث يمني مستقل لا يتعاطف مع أي عهد، ولا يدافع عن أي أشخاص أو جهات أو جماعات. وما هي إلا محاولات متواضعة لمقاربة الحقيقة التاريخية. وما يهمني هو اليمن ماضياً وحاضراً بهدف خدمة مستقبله والاجيال القادمة. الاسئلة الان: لماذا الوثائق الأردنية الهاشمية الآن؟ هل هناك ثمة معلومات تاريخية جديدة بشأن اليمن في هذه الوثائق ؟. لما كان للهاشميين في الأردن أدوارهم الأساسيّة المؤثرة على النظام الهاشمي في اليمن المتمثل في أسرة آل حميد الدين، فإن وثائقهم اليوم تحتوي على قدر كبير جداً من المعلومات التي يحتاجها الباحثون اليمنيون. فقد قدمت المملكة الأردنية الهاشمية للمملكة المتوكلية اليمنية مساعدات على صعيد الخبرات القانونية والادارية والسياسية الكثير مما سوف نقرأه في هذه الوثائق. لعل هذه ” الأجزاء ” التي تضمّ مجموعة من الوثائق الأردنية الهاشمية عن اليمن، تعدّ مصدرا ًمن مصادر تاريخ اليمن المعاصر إبان تلك المرحلة الهامة، حيث شكّلت مجمل الاحداث الصغرى والكبرى منعطفاً مهمّا في تحولاته التاريخيّة عند بداية النصف الثاني من القرن العشرين، اذ تحوّل اليمن الملكي الى النظام الجمهوري. واذا كان التغيير التاريخي والسياسي ذاك، قد نقل اليمن من حال إلى حال ، فإن هذه ” الوثائق ” تلقي مزيداً من الضوء عن احداث مهمّة ليس بالنسبة لليمن فحسب، بل لكلّ المنطقة العربية. وتكشف من جهة أخرى طبيعة ومتانة العلاقات اليمنية الأردنية في تلك الفترة.
أخيراً أود التوضيح بأن المواد التاريخية والسياسية التي تتضمنّها هذه الوثائق هي برقيات ومراسلات وخطابات متبادلة خلال فترة عامين فقط من شباط 1948 وحتى آب 1950. تتضمن معلومات عن فترة زمنية دارت أحداثها قبل سبعين سنة من الآن. متأملاً أن أهدف بهذا النشر إلى إغناء الوعي الجمعي لليمنيين بالمزيد من المعلومات التاريخية.
"البرقيات والرسائل المتبادلة بشأن مقتل الامام يحي آل حميدالدين 1948".
- برقية مؤرخة بتاريخ 19/2/1948 من عبدالله الوزير إلى الملك عبدالله ابن الحسين يبلغه فيها بوفاة الامام يحي دون أن يشير فيها إلى أنه تم اغتياله. وأنه قد تم اختياره ملكاً دستورياً على اليمن. نص البرقية: " إلى صاحب الجلالة الملك عبدالله بن الحسين عمّان. توفي إلى رحمة الله تعالى جلالة الامام يحي بن محمد وقد اجتمع من بيدهم الحل والعقد من زعماء الأمة وبعد إلحاح شديد قبلت مسؤولية العرش اليمني إماماً شرعياً وملكاً دستورياً مستعيناً بالله لأداء الواجب وتنفيذ إرادة الأمة معتمداً معاضدتكم مطبقاً للميثاق الوطني لتكون حكومتي شرعية دستورية لها وزارة مسؤولة ومجلس شورى يمثل الأمة اليمنية. وبإذن الله ستكون اليمن عضواً فعالا في الجمعية العربية والدفاع عن فلسطين والبلاد العربية الأخرى على أتم الوجوه. أرجو باسم اليمن المستقلة الحرة منكم معاضدتي في مهمتي على جهات الاحتياط للحيلولة دون الأطماع الخارجية وارسال كل دولة منكم ما تستطيع من مساعدة شعبنا بعدد من الطائرات على سبيل العيرة والأجارة لمدة قصيرة لتهدئة الحالة التي ربما يثيرها بعض الأجانب لتكون جاهزة في صنعاء. وقد أوعزت لحكومتي أن تتصل بحكومتكم. ولكم باسم الشعب اليمني أسمى آيات الشكر. عبدالله الوزير". - غير أن غموض برقية ابن الوزير بشأن طريقة وفاة الامام يحي جعلت الملك عبدالله ابن الحسين يرد عليه ببرقية جوابية بتاريخ 22/2/1948 يستوضح منه ذلك ويطلب فيها الاطمئنان على سلامة أبناء الامام يحي. نص البرقية الجوابية: " إلى حضرة السيد الجليل عبدالله الوزير صنعاء. أسفنا لما وقع عظم الله لنا الأجر جميعا، نود ايضاحاً تاما عن كيفية وفاة العم المحترم الامام يحي حميد الدين وايضاحاً عاجلاً عن سلامة السيوف الأبناء. الجامعة العربية منشغلة بما عرضتم ". - لم يملك ابن الوزير إلا الانصياع لطلب الملك عبدالله ابن الحسين حول معرفة حقيقة ما حدث للامام يحي. فأبرق ابن الوزير بتاريخ 28/2/1948 برسالة يقول فيها: " إلى جلالة ملك المملكة الهاشمية الأردنية الملك عبدالله بن الحسين عمان ... وقد أصبنا بعد ذلك في أول لحظة بقتل الأميرين الحسين والمحسن رضي الله عنهما غير مقصودين.. ولما سيطرنا على الموقف أوقفنا كل عدوان وعملنا من الاحسان والاحترام والرعاية مع كل صغير وكبير من الأسرة المالكة سابقاً ما لم يكن لأحد في حسبان... والسلام عليكم ملك اليمن الامام عبدالله بن الوزير". - وبتاريخ 3/3/1948 أرسل الأمير عبدالله ابن الامام يحي رسالة من محل اقامته في باريس إلى الملك عبدالله ابن الحسين يوضح له حقيقة الاحداث التي جرت في اليمن ويطلب ارسال وفد من الجامعة العربية للتحقيق. فيقول في رسالته: " إلى حضرة صاحب الجلالة الملك عبدالله المعظم عمان لقد بلغنا ما كان في اليمن مع شديد الأسف وتريثنا حتى وصلتنا معلومات مفصلة.. وهو خبر اغتيال الامام وبعض أولاده ورئيس الحكومة.. وبعد هذا العمل الوحشي أعلنوا حكومة جديدة في صنعاء ارتكزت على هذا الحادث الأليم وأعلنوا تأييد الجميع لها بينما ذلك خلاف الواقع فأن وارث العرش الشرعي هو سيف الاسلام أحمد... ونظراً للموقف هذا نرجو أن يكون من دول الجامعة العربية سرعة ارسال الوفد للوقوف على الحوادث وإجراء التحقيق... ونحن مؤمنون أن جلالتكم متألمين. لهذا لا يجوز لمن دبر أن يتولى منصباً في اليمن أو غيره... المخلص سيف الاسلام عبدالله". يتبع..
تقديم: يكتسب التاريخ الرسمي الوثائقي أهمية بالغة لجهة تغذيته للذاكرة الجمعية للشعوب بالمعلومات والحقائق عن فترة زمنية سابقة آمن الناس فيها بجملة من المقاربات المعرفية لتاريخهم قد لا تكون دقيقة بأي حال. يقول جاك لوغوف في مقالة له عن الوثائق : ” إن التاريخ يعيش اليوم ثورة وثائقية تربطها بالتاريخ الجديد علاقة غامضة .." فالتاريخ الجديد لا يمكن كتابته من دون الوثيقة التاريخية. فالحقائق والمعلومات التاريخية تبقى مخفية لأوقات طويله حتى تبدأ بالظهور، وعندما تظهر، تكون الناس التي عاشتها قد داهمتها سنين العُمر على ما عرفته من أحداث في أول عهدهم بها. أو انها غادرت الدنيا وهي مؤمنة بصحة ما عاشوه وما علموه. سأنشر هنا ضمن سلسلة من الأجزاء وثائق أردنية مهمة عن اليمن تقع بين عامي 1948 و 1950 ، حيث أفتتح العام 1948 بمقتل الامام يحي في أحداث ما عرف بالحركة الدستورية وهذه الأحداث سبقت أهم حدث تاريخي في اليمن هو يوم السادس والعشرين من أيلول / سبتمبر 1962 ، وكان أن هزّ اليمن والمنطقة ، وشكّل منعطفا تاريخيا في سيرورة اليمن واليمنيين حتى يومنا هذا. وإنني إذ أنشر هذه الوثائق من منطق باحث يمني مستقل لا يتعاطف مع أي عهد، ولا يدافع عن أي أشخاص أو جهات أو جماعات. وما هي إلا محاولات متواضعة لمقاربة الحقيقة التاريخية. وما يهمني هو اليمن ماضياً وحاضراً بهدف خدمة مستقبله والاجيال القادمة. الاسئلة الان: لماذا الوثائق الأردنية الهاشمية الآن؟ هل هناك ثمة معلومات تاريخية جديدة بشأن اليمن في هذه الوثائق ؟. لما كان للهاشميين في الأردن أدوارهم الأساسيّة المؤثرة على النظام الهاشمي في اليمن المتمثل في أسرة آل حميد الدين، فإن وثائقهم اليوم تحتوي على قدر كبير جداً من المعلومات التي يحتاجها الباحثون اليمنيون. فقد قدمت المملكة الأردنية الهاشمية للمملكة المتوكلية اليمنية مساعدات على صعيد الخبرات القانونية والادارية والسياسية الكثير مما سوف نقرأه في هذه الوثائق. لعل هذه ” الأجزاء ” التي تضمّ مجموعة من الوثائق الأردنية الهاشمية عن اليمن، تعدّ مصدرا ًمن مصادر تاريخ اليمن المعاصر إبان تلك المرحلة الهامة، حيث شكّلت مجمل الاحداث الصغرى والكبرى منعطفاً مهمّا في تحولاته التاريخيّة عند بداية النصف الثاني من القرن العشرين، اذ تحوّل اليمن الملكي الى النظام الجمهوري. واذا كان التغيير التاريخي والسياسي ذاك، قد نقل اليمن من حال إلى حال ، فإن هذه ” الوثائق ” تلقي مزيداً من الضوء عن احداث مهمّة ليس بالنسبة لليمن فحسب، بل لكلّ المنطقة العربية. وتكشف من جهة أخرى طبيعة ومتانة العلاقات اليمنية الأردنية في تلك الفترة.
أخيراً أود التوضيح بأن المواد التاريخية والسياسية التي تتضمنّها هذه الوثائق هي برقيات ومراسلات وخطابات متبادلة خلال فترة عامين فقط من شباط 1948 وحتى آب 1950. تتضمن معلومات عن فترة زمنية دارت أحداثها قبل سبعين سنة من الآن. متأملاً أن أهدف بهذا النشر إلى إغناء الوعي الجمعي لليمنيين بالمزيد من المعلومات التاريخية.
"البرقيات والرسائل المتبادلة بشأن مقتل الامام يحي آل حميدالدين 1948".
- برقية مؤرخة بتاريخ 19/2/1948 من عبدالله الوزير إلى الملك عبدالله ابن الحسين يبلغه فيها بوفاة الامام يحي دون أن يشير فيها إلى أنه تم اغتياله. وأنه قد تم اختياره ملكاً دستورياً على اليمن. نص البرقية: " إلى صاحب الجلالة الملك عبدالله بن الحسين عمّان. توفي إلى رحمة الله تعالى جلالة الامام يحي بن محمد وقد اجتمع من بيدهم الحل والعقد من زعماء الأمة وبعد إلحاح شديد قبلت مسؤولية العرش اليمني إماماً شرعياً وملكاً دستورياً مستعيناً بالله لأداء الواجب وتنفيذ إرادة الأمة معتمداً معاضدتكم مطبقاً للميثاق الوطني لتكون حكومتي شرعية دستورية لها وزارة مسؤولة ومجلس شورى يمثل الأمة اليمنية. وبإذن الله ستكون اليمن عضواً فعالا في الجمعية العربية والدفاع عن فلسطين والبلاد العربية الأخرى على أتم الوجوه. أرجو باسم اليمن المستقلة الحرة منكم معاضدتي في مهمتي على جهات الاحتياط للحيلولة دون الأطماع الخارجية وارسال كل دولة منكم ما تستطيع من مساعدة شعبنا بعدد من الطائرات على سبيل العيرة والأجارة لمدة قصيرة لتهدئة الحالة التي ربما يثيرها بعض الأجانب لتكون جاهزة في صنعاء. وقد أوعزت لحكومتي أن تتصل بحكومتكم. ولكم باسم الشعب اليمني أسمى آيات الشكر. عبدالله الوزير". - غير أن غموض برقية ابن الوزير بشأن طريقة وفاة الامام يحي جعلت الملك عبدالله ابن الحسين يرد عليه ببرقية جوابية بتاريخ 22/2/1948 يستوضح منه ذلك ويطلب فيها الاطمئنان على سلامة أبناء الامام يحي. نص البرقية الجوابية: " إلى حضرة السيد الجليل عبدالله الوزير صنعاء. أسفنا لما وقع عظم الله لنا الأجر جميعا، نود ايضاحاً تاما عن كيفية وفاة العم المحترم الامام يحي حميد الدين وايضاحاً عاجلاً عن سلامة السيوف الأبناء. الجامعة العربية منشغلة بما عرضتم ". - لم يملك ابن الوزير إلا الانصياع لطلب الملك عبدالله ابن الحسين حول معرفة حقيقة ما حدث للامام يحي. فأبرق ابن الوزير بتاريخ 28/2/1948 برسالة يقول فيها: " إلى جلالة ملك المملكة الهاشمية الأردنية الملك عبدالله بن الحسين عمان ... وقد أصبنا بعد ذلك في أول لحظة بقتل الأميرين الحسين والمحسن رضي الله عنهما غير مقصودين.. ولما سيطرنا على الموقف أوقفنا كل عدوان وعملنا من الاحسان والاحترام والرعاية مع كل صغير وكبير من الأسرة المالكة سابقاً ما لم يكن لأحد في حسبان... والسلام عليكم ملك اليمن الامام عبدالله بن الوزير". - وبتاريخ 3/3/1948 أرسل الأمير عبدالله ابن الامام يحي رسالة من محل اقامته في باريس إلى الملك عبدالله ابن الحسين يوضح له حقيقة الاحداث التي جرت في اليمن ويطلب ارسال وفد من الجامعة العربية للتحقيق. فيقول في رسالته: " إلى حضرة صاحب الجلالة الملك عبدالله المعظم عمان لقد بلغنا ما كان في اليمن مع شديد الأسف وتريثنا حتى وصلتنا معلومات مفصلة.. وهو خبر اغتيال الامام وبعض أولاده ورئيس الحكومة.. وبعد هذا العمل الوحشي أعلنوا حكومة جديدة في صنعاء ارتكزت على هذا الحادث الأليم وأعلنوا تأييد الجميع لها بينما ذلك خلاف الواقع فأن وارث العرش الشرعي هو سيف الاسلام أحمد... ونظراً للموقف هذا نرجو أن يكون من دول الجامعة العربية سرعة ارسال الوفد للوقوف على الحوادث وإجراء التحقيق... ونحن مؤمنون أن جلالتكم متألمين. لهذا لا يجوز لمن دبر أن يتولى منصباً في اليمن أو غيره... المخلص سيف الاسلام عبدالله". يتبع..
مدار الساعة ـ نشر في 2019/01/26 الساعة 15:15