حتى لا يصبح «الرابع» «طقسًا» أو «مناسبة اجتماعية»
مدار الساعة ـ نشر في 2019/01/26 الساعة 01:06
تتوالى الاحتجاجات الدورية الأسبوعية على «الدوار الرابع» على نحو رتيب، الأشخاص أنفسهم يتداعون يوم الخميس من كل أسبوع، إلى تلك الساحة عند الساعة الخامسة مساءً ... تحيط بهم قوات كثيفة من الأمن والدرك... كل طرف يعرف حدّه ويقف عنده ... الشعارات ذاتها، الوجوه ذاتها، وإن كانت تتناقص وتتزايد تبعاً للحالة الجوية ... ممارسة أسبوعية تتحول إلى ما يشبه «الطقس»، لا الحكومة تصغي لما يقولون ولا هم بوارد فض الجمع والتوقف عن ممارسة ما أصبح، أو قد يصبح، «مناسبة اجتماعية».
المارة في الطريق إلى الدوار الرابع، لا يكادون يشاهدون المتظاهرين، بل ولا يكادون يستمعون إلى هتافاتهم ... أزمة المرور تذكر الكثيرين منهم بأنهم في يوم الخميس وعلى مقربة من ساحة الاحتجاج ... الفضول الذي طبع ردّات أفعال المارة، ربما أخذ يتحول إلى ضيق وتبرم، رغم أن هتافات المحتجين تستحثهم وتخاطبهم بصفاتهم: «راكبي السيارة» و»الجالسين على الرصيف» للخروج عن «سلبيتهم» والالتحاق بركب الاحتجاج.
حين يأخذ الاحتجاج شكلاً رتيباً و»رمزيا»، يفقد قدرته على التأثير والتغيير، ويلحق بالمحتجين مشاعر اليأس والإحباط، ويدفع بمن يحيطون بأماكن الاحتجاج إلى السخط والتبرم، ويفقد مفعوله كأسلوب لممارسة الضغط على صناع القرار ... ربما يكون «الدوار الرابع» قد وصل إلى هذا الحال، وربما تكون «فكرة اللقاء» بحد ذاتها، هي ما يحفز بعضهم على المشاركة، وهنا الخشية مما حذرنا منه: أن يتحول الدوار الرابع إلى «مناسبة اجتماعية» لا أكثر ولا أقل.
تجديد أشكال التعبير والحضور ... مخاطبة فئات أوسع وجماعات أكبر، اجتراح الشعارات المواكبة لكل تطور، المرونة والابتكار ... والأهم من كل هذا وذاك، التنظيم وبناء التوافقات وصوغ المواقف المشتركة التي تتعدى الهتافات إلى البرامج والرؤى، التفكير أبعد من اللحظة الراهنة، والانتقال إلى الأمدين المتوسط والبعيد ... هذا هو التطور الطبيعي لحركات الاحتجاج، وإلا فقدت بوصلتها وخرجت عن أهدافها وانفض القوم من حولها، وباتت تستدعي التبرم وتثير الإحباط أكثر مما تحفز على المشاركة وتعزز القناعة بالتغيير.
قرأت مؤخراً، أن «السترات الصفراء»، وهي حركة الاحتجاج الشعبية الأكبر التي تشهدها فرنسا، تنوي خوض الانتخابات المقبلة للبرلمان الأوروبي، وللحركة حركات شقيقة وصديقة في دول أوروبية أخرى ... ذلك غير ممكن، من دون التنظيم، وذلك من المتعذر من دون بناء رؤية مشتركة وصياغة تحالفات، والخوض عميقاً في دهاليز برنامج المرحلة المقبلة.
هنا، يدهمني سؤال: هل يمكن التفكير في تحويل الاحتجاج إلى حركة سياسية حزبية منظمة؟ ... هل يمكن الشروع في حوار بيني حول مفاصل الرؤية المشتركة وملامح برنامج العمل للمرحلة القادمة؟ ... هل يمكن التفكير بما يتخطى اللقاء الأسبوعي الدوري القصير في زمانه والمحصور في مكانه إلى العمل المنظم لمواجهة الاستحقاقات القادمة، بما فيها الانتخابات النيابية؟
لا يعني ذلك أنني أدعو شباب «الدوار الرابع» لالتزام منازلهم، ولست في موقع سياسي أو أخلاقي لفعل ذلك، وأعجب من محاولات البعض منّا «شيطنة» هؤلاء، وما المصلحة في ذلك، وطنياً ... لكنني وأنا أتابع يوميات المشهد السياسي الوطني، أحسب أن الوقت قد حان لوقفة تفكير وتأمل، إن في أشكال الاحتجاج وأدواته وأشكاله وشعاراته وأماكنه، أو في أنجع الطرق لتنظيمه ومأسسته ... وحين يتعلق الأمر بالمأسسة والتنظيم، فلا يخطر ببالي غير الحزب السياسي، بوصفة قناة المشاركة والتمثيل، والإطار الناظم للعمل الجماهيري والشعبي المنظم والمستدام، لا أرى غير التحالفات والائتلافات الحزبية والنقابية من وعاء لنقل الأهداف الكبرى من علياء الأفكار المجردة والشعارات المحلقة على ارتفاعات عالية، إلى جهد جماعي وحقائق تتجلى على أرض الواقع المُعاش. الدستور
المارة في الطريق إلى الدوار الرابع، لا يكادون يشاهدون المتظاهرين، بل ولا يكادون يستمعون إلى هتافاتهم ... أزمة المرور تذكر الكثيرين منهم بأنهم في يوم الخميس وعلى مقربة من ساحة الاحتجاج ... الفضول الذي طبع ردّات أفعال المارة، ربما أخذ يتحول إلى ضيق وتبرم، رغم أن هتافات المحتجين تستحثهم وتخاطبهم بصفاتهم: «راكبي السيارة» و»الجالسين على الرصيف» للخروج عن «سلبيتهم» والالتحاق بركب الاحتجاج.
حين يأخذ الاحتجاج شكلاً رتيباً و»رمزيا»، يفقد قدرته على التأثير والتغيير، ويلحق بالمحتجين مشاعر اليأس والإحباط، ويدفع بمن يحيطون بأماكن الاحتجاج إلى السخط والتبرم، ويفقد مفعوله كأسلوب لممارسة الضغط على صناع القرار ... ربما يكون «الدوار الرابع» قد وصل إلى هذا الحال، وربما تكون «فكرة اللقاء» بحد ذاتها، هي ما يحفز بعضهم على المشاركة، وهنا الخشية مما حذرنا منه: أن يتحول الدوار الرابع إلى «مناسبة اجتماعية» لا أكثر ولا أقل.
تجديد أشكال التعبير والحضور ... مخاطبة فئات أوسع وجماعات أكبر، اجتراح الشعارات المواكبة لكل تطور، المرونة والابتكار ... والأهم من كل هذا وذاك، التنظيم وبناء التوافقات وصوغ المواقف المشتركة التي تتعدى الهتافات إلى البرامج والرؤى، التفكير أبعد من اللحظة الراهنة، والانتقال إلى الأمدين المتوسط والبعيد ... هذا هو التطور الطبيعي لحركات الاحتجاج، وإلا فقدت بوصلتها وخرجت عن أهدافها وانفض القوم من حولها، وباتت تستدعي التبرم وتثير الإحباط أكثر مما تحفز على المشاركة وتعزز القناعة بالتغيير.
قرأت مؤخراً، أن «السترات الصفراء»، وهي حركة الاحتجاج الشعبية الأكبر التي تشهدها فرنسا، تنوي خوض الانتخابات المقبلة للبرلمان الأوروبي، وللحركة حركات شقيقة وصديقة في دول أوروبية أخرى ... ذلك غير ممكن، من دون التنظيم، وذلك من المتعذر من دون بناء رؤية مشتركة وصياغة تحالفات، والخوض عميقاً في دهاليز برنامج المرحلة المقبلة.
هنا، يدهمني سؤال: هل يمكن التفكير في تحويل الاحتجاج إلى حركة سياسية حزبية منظمة؟ ... هل يمكن الشروع في حوار بيني حول مفاصل الرؤية المشتركة وملامح برنامج العمل للمرحلة القادمة؟ ... هل يمكن التفكير بما يتخطى اللقاء الأسبوعي الدوري القصير في زمانه والمحصور في مكانه إلى العمل المنظم لمواجهة الاستحقاقات القادمة، بما فيها الانتخابات النيابية؟
لا يعني ذلك أنني أدعو شباب «الدوار الرابع» لالتزام منازلهم، ولست في موقع سياسي أو أخلاقي لفعل ذلك، وأعجب من محاولات البعض منّا «شيطنة» هؤلاء، وما المصلحة في ذلك، وطنياً ... لكنني وأنا أتابع يوميات المشهد السياسي الوطني، أحسب أن الوقت قد حان لوقفة تفكير وتأمل، إن في أشكال الاحتجاج وأدواته وأشكاله وشعاراته وأماكنه، أو في أنجع الطرق لتنظيمه ومأسسته ... وحين يتعلق الأمر بالمأسسة والتنظيم، فلا يخطر ببالي غير الحزب السياسي، بوصفة قناة المشاركة والتمثيل، والإطار الناظم للعمل الجماهيري والشعبي المنظم والمستدام، لا أرى غير التحالفات والائتلافات الحزبية والنقابية من وعاء لنقل الأهداف الكبرى من علياء الأفكار المجردة والشعارات المحلقة على ارتفاعات عالية، إلى جهد جماعي وحقائق تتجلى على أرض الواقع المُعاش. الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2019/01/26 الساعة 01:06