اخو ارشيده يكتب: القيادة؛ ما بين النزعة والأهلية

مدار الساعة ـ نشر في 2019/01/22 الساعة 17:12
كتب: المحامي فراس اخو ارشيده أرجو لهذا المقال ان يكون مدخلا لتناول مسألة بالغة الأهمية وتكاد أن تكون ضرورة حياتيه.انها مسألة القيادة لأي من الجماعات كبرت أو صغرت تلك الجماعة وأيما كان الهدف الذي تسعى لتحقيقه. وفي حالتنا الأردنية فقضية القيادة في الأطر المدنية والشعبية هي ضرورة وطنية لتعلقها بالحاضر والمصير. وتتبدي أهمية بحث الموضوع لما نشهده من تنازع سطحي ومرير- في اغلبه - حول احقية القيادة في التجمعات والهيئات المدنية وخاصةً الشعبية والحراكيه منها، وسواء أتى ذلك التنازع من شخوص كانت قد خدمت في القطاع الرسمي أو شخوص المجتمع المدني والشعبي، فنزعة القيادة تلك باتت تشكل تحديا خطيرا وسدا مانعا في وجه الجماعة والمجتمع وتعديا على حقوقه وتعطيله عن السعي لنيلها وتحقيق أهدافه وصولاً لغايته المشروعة؛ بحياة أفضل. فلم يستطع كثير من دعاة الإصلاح والتغيير- حتى اللحظة - إيجاد فهم مشترك لمفهوم القيادة رغم بعض المحاولات المخلصة لايصال هذا المفهوم؛ فكرا، وتجسيده؛ سلوكا، للدفع به نحو حقيقة معناه المتحضر ومبرر وجوده واهمية وجدوى التعامل معه باعتباره: عملية قيادية تنشأ للخروج عن معطيات وشخوص الوضع القائم وكاستجابة لمتطلبات التغيير، كما ينبغي للمواقع القيادية ان تكون متاحة للجميع وتخضع لشروط مجردة تنسحب على على كافة أفراد الجماعة وفق نهج وطريق ديمقراطي، وضرورة أن تكون العملية القيادية ومهاراتها قابله للإكساب والأكتساب. ولكن للاسف غالبا ما يتم التعامل مع مفهوم القيادة والقائد بعيداً عن هذا المعنى بل عبر نزعة فردية غريزية تستند إلى معيار "الافضل" فأن أكون قائدا فهذا يعني أنني "الأفضل والأميز ولا أستطيع القبول بالآخر قائدا فهذا تسليماً مني بأنه أعلى وأفضل؛ تاركين معيار " الأقدر والأنسب" خارج دائرة الخيارات والاحتكام؛ الأقدر والأنسب لانه ينشد موقعا قياديا هو مؤهل له بالاختصاص، فليس من الصحيح أن ازاحم طبيبا وانا المحامي على قيادة فريق يعنى بتقديم الخدمات الصحية في البلدة فهو الأقدر. والأنسب لانه وعلى فرض تماثل الاختصاص إلا أن ملاءته المالية وطبيعة عمله في عيادته الخاصة -مثلا - تجعله يوفر ساعات عمل تطوعية أكثر لأهل البلدة. وفي كل مرة نبتعد بها عن الاخذ بهذه المعايير، نكون -وللاسف- قد اهدرنا فرصة لبناء واقع جديد نستحق أن نحياه. ان الفهم المتردي لقضية القيادة جعل من أزمتها حاده ومركبة، والمسألة ذات أبعاد متعددة، ولعلي استطيع القول: ان من أهم عوامل قيام وشيوع ذلك الفهم؛ فأولا: أن أغلب (القيادات) الرسمية والأهلية وخاصة الأهلية - التي هي محل الحديث - اخفقت في تجسيد دور القائد، اذ ترى أن القيادة هي سمات شخصية ومميزات ومعطيات ثابتة غير قابلة للتجديد والتغيير، فقط، وبمعزل عن تبادلية الاثر. وثانيا: أن الجميع يرى في نفسه قائدا استناداً لمجرد رغبته بالتحديث والتغيير، ويظن؛ ان الاهلية العلمية وما تتضمن من معرفة ومهارات وان السمات الشخصية والموضوعية ليست أمورا ذات شأن، فهو يتوهم أن ثقافته العامة وحدها تمكنه من القيادة وتشمل هذه الشريحة الكثير من حملة الشهادات العلمية الخالية من الأثر العلمي على حاملها، فنجده يوهم نفسه أو يتوهم بها، إضافة لإيهام الآخرين بأنه يصلح للمواقع القيادية لمجرد اقتنائه لتلك الشهادة. والحقيقة أن القيادة هي من هذا وذاك؛ علم ومعرفة وأيضاً سمات وخصائص. القائد الحقيقي هو من يؤمن بأن القيادة عملية تبادلية الأثر بينه وبين الآخرين وهي القدرة على التأثير الإيجابي بهم وتوجيه طاقاتهم وسلوكهم نحو تحقيق الأهداف المشتركة التي تعود بالنفع على الجميع . القائد من يدعم تقدم وقبول ظهور قادة جدد لا بل أن ذلك ما يتطلع اليه فهو يرمي إلى استمرار أفكاره وتطويرها لخدمة الناس عبر قيادات حاضرة ومستقبلية، وإلا فإن تلك الأفكار ستحمل بذور فنائها بمجرد إنكفائه أو ازاحته عن دفة القيادة. فالقائد لا يصنع بل يؤهل. وقد قيل.. أرني القائد وسأخبرك من رجاله.
مدار الساعة ـ نشر في 2019/01/22 الساعة 17:12