بداية البدايات
مدار الساعة ـ نشر في 2017/02/25 الساعة 00:47
يذهب الدكتور عبدالغفار مكاوي رحمه الله في كتابه «جذور الاستبداد» الى ان مهمة المفكر العربي المعاصر ذات طابع مزدوج, من حيث اضطراره الى مواجهة تلك المحاولات الضارية – وعلى عدة مستويات – لتحقيق تبعية لنموذج (الاخر المستغل المهيمن) من جهة, ومن حيث مواجهته لما يسميه بالانقراض الحضاري الذي يسعى فيه (الطغاة المتخلفون) و»لأنظمهم المتخلفة» على حد قوله.
كما يعترف الدكتور مكاوي بأن جيله من مفكري العرب قد قضوا اعمارهم في ظل (اللاحرية والاستبداد) وان «الحرية» هي نقطة البدء في أي محاولة لصنع مستقبل كريم, وأنها هي «بداية البدايات» في أي نهوض حقيقي.
والذي لا ريب فيه انه, وانطلاقاً مما يذهب الدكتور مكاوي فإن ما ظللنا نزعمه من نهوض, وما لا يفتأ يردده الاعلام العربي عن القادة التاريخيين أو لحظاتهم التاريخية المجيدة أو ما شئت من حديث الالهام والعبقرية, ما هو الا مزاورة عن «بداية البدايات» التي جعلها الدكتور مكاوي مرتبطة ارتباطاً سببياً بالحرية, وبزحزحة الاستبداد, وللاستبداد وجوهه المختلفة وتجلياته الكثيرة, عن صدور العباد. ذلك ان «العبيد» لا يصنعون اوطاناً ولا يقيمون حضارة ولا يتجاوزون كونهم مخلوقات توزع في مآرب المستبدين ولباناتهم.
ولا ينظر الدكتور مكاوي الى الحرية بما هي مسألة فلسفية على توافر اسباب بحثها بهذا الاعتبار (ولنتذكر هنا كتاب الدكتور زكريا ابراهيم: مشكلة الفلسفة) ولكنه ينظر اليها بما هي مطلب حيوي تقتضيه كرامة الانسان..
واذا كان تراثنا حافلاً بوقائع الاستبداد الشنيعة كما هو حافل ايضاً بتجليات تكريم الانسان الذي ولدته أمه حراً على حد قول سيدنا الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه, والذي استند في قولته المشهورة الى كتاب الله العزيز «وكرّمنا بني آدم» فإن علينا أن نضيف, بوعي وارادة – صفحات جديدة «اكثر حرية وعدلاً, واقل بؤساً وظلماً واستبداداً» الى هذا التراث.
إن عالمنا اليوم فيما يعتقد كاتب هذه السطور لا يختلف عنه في أمسه القريب ولا في ماضيه البعيد, وطبائع الاستبداد هي طبائع الاستبداد وان اختلفت وسائلها ومظاهرها. وقيصر اليوم هو قيصر امس المنصرم وكسرى اليوم هو الكسرى انو شروان نفسه, وكذلك كل طغاة الارض الذين تستحضرهم الذاكرة. انهم قائمون بسياطهم على ظهور الامم وإن اختلفت سماتهم وشياتهم. ومن هنا فنحن لا نسلّم, مع الدكتور مكاوي, حين يذهب الى ان العالم ساعتنا هذه «يختلف اختلافاً جذرياً» عما عهدناه منذ نصف قرن أو حتى ربع قرن», فالاستعمار هو الاستعمار وإن لبس لبوس العولمة, وصندوق النقد الدولي, واتفاقيات التجارة العالمية, وهيئة الامم المتحدة. ووحشية القوى المستبدة هي الوحشية نفسها التي عرفتها الازمنة الغابرة, مع مزيد «ابداع» تكثر الشواهد على دمويته في شعوب الارض شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً.
إن كشف جذور «اللاحرية» الذي تضّمنه كتاب (جذور الاستبداد: قراءة في أدب قديم» والذي تناول فيه الدكتور عبدالغفور مكاوي نصوصاً من أدب الحكمة البابلية. انما يؤكد مقولة ابن خلدون في أن الحاضر أشبه بالماضي من الماء بالماء. كما أن «العاصفة التي تأكل الارض» والتي «غطّت اور» مثل الثوب وكستها كالدثار» و»تركت المدينة خراباً والشعب ينوح» هي نفسها العاصفة التي تكتسح اليوم مدائن العروبة والاسلام, بمسوّغات كثيرة وذرائع شتى. وثمة طغاة كبار في الارض وطغاة صغار, ولا تزال دواعي الشكوى المرة التي تتبدى في نصوص البابليين هي نفسها الدواعي التي يستشعرها عرب اليوم:
ناس كناس, واقوم كأقوام.
ورحم الله الدكتور مكاوي, وعسى أن نفيد من كتبه القيمة واطاريحه الموزونة.
الرأي
كما يعترف الدكتور مكاوي بأن جيله من مفكري العرب قد قضوا اعمارهم في ظل (اللاحرية والاستبداد) وان «الحرية» هي نقطة البدء في أي محاولة لصنع مستقبل كريم, وأنها هي «بداية البدايات» في أي نهوض حقيقي.
والذي لا ريب فيه انه, وانطلاقاً مما يذهب الدكتور مكاوي فإن ما ظللنا نزعمه من نهوض, وما لا يفتأ يردده الاعلام العربي عن القادة التاريخيين أو لحظاتهم التاريخية المجيدة أو ما شئت من حديث الالهام والعبقرية, ما هو الا مزاورة عن «بداية البدايات» التي جعلها الدكتور مكاوي مرتبطة ارتباطاً سببياً بالحرية, وبزحزحة الاستبداد, وللاستبداد وجوهه المختلفة وتجلياته الكثيرة, عن صدور العباد. ذلك ان «العبيد» لا يصنعون اوطاناً ولا يقيمون حضارة ولا يتجاوزون كونهم مخلوقات توزع في مآرب المستبدين ولباناتهم.
ولا ينظر الدكتور مكاوي الى الحرية بما هي مسألة فلسفية على توافر اسباب بحثها بهذا الاعتبار (ولنتذكر هنا كتاب الدكتور زكريا ابراهيم: مشكلة الفلسفة) ولكنه ينظر اليها بما هي مطلب حيوي تقتضيه كرامة الانسان..
واذا كان تراثنا حافلاً بوقائع الاستبداد الشنيعة كما هو حافل ايضاً بتجليات تكريم الانسان الذي ولدته أمه حراً على حد قول سيدنا الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه, والذي استند في قولته المشهورة الى كتاب الله العزيز «وكرّمنا بني آدم» فإن علينا أن نضيف, بوعي وارادة – صفحات جديدة «اكثر حرية وعدلاً, واقل بؤساً وظلماً واستبداداً» الى هذا التراث.
إن عالمنا اليوم فيما يعتقد كاتب هذه السطور لا يختلف عنه في أمسه القريب ولا في ماضيه البعيد, وطبائع الاستبداد هي طبائع الاستبداد وان اختلفت وسائلها ومظاهرها. وقيصر اليوم هو قيصر امس المنصرم وكسرى اليوم هو الكسرى انو شروان نفسه, وكذلك كل طغاة الارض الذين تستحضرهم الذاكرة. انهم قائمون بسياطهم على ظهور الامم وإن اختلفت سماتهم وشياتهم. ومن هنا فنحن لا نسلّم, مع الدكتور مكاوي, حين يذهب الى ان العالم ساعتنا هذه «يختلف اختلافاً جذرياً» عما عهدناه منذ نصف قرن أو حتى ربع قرن», فالاستعمار هو الاستعمار وإن لبس لبوس العولمة, وصندوق النقد الدولي, واتفاقيات التجارة العالمية, وهيئة الامم المتحدة. ووحشية القوى المستبدة هي الوحشية نفسها التي عرفتها الازمنة الغابرة, مع مزيد «ابداع» تكثر الشواهد على دمويته في شعوب الارض شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً.
إن كشف جذور «اللاحرية» الذي تضّمنه كتاب (جذور الاستبداد: قراءة في أدب قديم» والذي تناول فيه الدكتور عبدالغفور مكاوي نصوصاً من أدب الحكمة البابلية. انما يؤكد مقولة ابن خلدون في أن الحاضر أشبه بالماضي من الماء بالماء. كما أن «العاصفة التي تأكل الارض» والتي «غطّت اور» مثل الثوب وكستها كالدثار» و»تركت المدينة خراباً والشعب ينوح» هي نفسها العاصفة التي تكتسح اليوم مدائن العروبة والاسلام, بمسوّغات كثيرة وذرائع شتى. وثمة طغاة كبار في الارض وطغاة صغار, ولا تزال دواعي الشكوى المرة التي تتبدى في نصوص البابليين هي نفسها الدواعي التي يستشعرها عرب اليوم:
ناس كناس, واقوم كأقوام.
ورحم الله الدكتور مكاوي, وعسى أن نفيد من كتبه القيمة واطاريحه الموزونة.
الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2017/02/25 الساعة 00:47