استهداف اقتصادنا بالإشاعات؟
كثيرة هي الحالات والمواقف التي بتنا لا نجد لها تفسيرا في غمرة الاحداث والملفات التي تشغلنا وتخيم على المشهد العام في بلدنا، حتى اصبحنا ندعي الحرص على المصلحة الوطنية، ونحن أكثر من يهددها ويعرضها للمخاطر على وقع التناقضات التي باتت تغلف مواقفنا. وبدا ان تعاطينا غير المسؤول مع منصات التواصل الاجتماعي هو من أكبر التحديات التي تتهددنا. إذ كيف للبعض ان يروج ويتناقل الاخبار عن هروب بعض المستثمرين والتجار ورجال الاعمال وافلاسهم وتعثرهم واغلاق مصالحهم واعمالهم الاقتصادية والاستثمارية وتصفيتها في البلد، لمجرد ان هناك من افتعل مثل هذه الاكاذيب والاخبار المفبركة التي لا تمت للواقع بصلة، حتى نتطوع بترويجها وتبنيها بصورة مضرة ومسيئة لمصالحنا، تماهيا مع اجندات قد تكون هنا او هناك تستهدف التشويش واثارة الشكوك في مشهدنا الوطني، بعد ان عجزت عن اقحام بلدنا في اتون الاحداث والانفلات والفوضى التي ضربت المنطقة في السنوات الاخيرة، محاولة هذه المرة توظيف البعض في نشر اخبار كاذبة تستهدف اقتصادنا من بوابة الاشاعات والأفتراءات المحلية والمستوردة. مع ان المستثمرين ورجال الاعمال الذين طالت مصالحهم الاشاعات كذبوها ونفوا صحتها، لا بل واعلنوا توسيع استثماراتهم وخططهم ومشاريعهم الاقتصادية المستقبلية وزيادتها وفتح فروع جديدة لها في الاردن وسط اجواء من التفاؤل. وان البنك المركزي الاردني قد أكد على انه بصورة المناقلات الشرعية التي تمت على اسهم احد البنوك الاردنية، والتي جاءت وفقا لترتيبات خاصة ( عائلية )، لم يترتب عليها اي خروج للاستثمار او تحويل للاموال خارج المملكة، وان الذى جرى هو تغيير جنسية المالكين لهذه الاسهم. في تأكيد على اهمية توفير المعلومة وتوضيحها من قبل المصادر والجهات المختصة، لدحض الاشاعات ونفيها قبل نشرها واستفحال خطرها على امننا الاقتصادي.
وعليه.. فلمصلحة من بث رسائل سلبية عن البيئة الاستثمارية الاردنية، وتحويلها الى بيئة طاردة من قبل البعض الذي يستهدف زعزعة الثقة بقطاعنا الاقتصادي، والذي تجده مثلا ينتقد سياسات الحكومات الاقتصادية ويحملها مسؤولية تردي الاوضاع المعيشية والاجتماعية في بلدنا، ويطالبها بتغيير نهجها وسياساتها العقيمة، في الوقت الذي يبث فيه الدعايات والافتراءات الكاذبة والهدامة عن هذا القطاع الحيوي، ويقف الى جانب الجهات واصحاب الاجندات التي لا تريد الخير لبلدنا. يحدث ذلك في الوقت الذي تستعد فيه بريطانيا ( دولة اجنبية ) لاستضافة مؤتمر دولي في لندن لدعم الاقتصاد والاستثمار في الاردن الشهر القادم، وحشد المزيد من الدعم من قبل المستثمرين والمانحين الدوليين من الدول الصناعية الكبرى والمؤسسات المالية والتمويلية والاستثمارية الدولية .. فأي منطق هذا.. دولة (غريبة) تعقد فعالية دولية على ارضها لحفز النمو والتنمية والاستثمار في بلدنا، لمساعدتنا في مواجهة التحديات والازمات والاوضاع الاقتصادية الصعبة التي نعاني منها، بينما نحن الذين ندعي الحرص على مصالح الوطن واقتصاده واستثماره. ننخر جسمه بالاشاعات المسمومة والهدامة. فأي رسالة نريد ارسالها الى هذه التظاهرة العالمية عن بيئتنا الاقتصادية والاستثمارية في ظل هذه الادوار السلبية والمحبطة التي نقوم بها .. ؟!
ولعل أكثر ما يلفت الانتباه ويستحق التوقف عنده في هذا الموضوع الشائك والمتناقض، يتمثل في نوعية الاشخاص الذين اخذوا على عاتقهم تناقل مثل هذه الصور المشوهة والسوداوية، والتي هي في غالبيتها من النوعيات والفئات المتعلمة والمثقفة ، التي نعول عليها كثيرا في كشف الحقائق ومعرفتها ودحض الشائعات التي تؤثر سلبيا في نهضة بلدنا ومسيرته التنموية، كونها الاكثر وعيا بضرورة التصدي لمثل هذه المحاولات الرخيصة، لا ان تتخذ من نفسها جسورا وادوات لتمريرها والترويج لها على حساب مصالح البلد وسمعته. ولاننا لا نستثني من هذا الطرح البعض ممن كانوا في مواقع المسؤولية الحكومية والرسمية والبرلمانية ايضا، واخذوا يتقمصون مثل هذه الادوار وغيرها بعد مغادرتهم هذه المواقع، فان من حقنا ان نسألهم عن الموقف الذي كانوا سيتخذونه امام هذه الموجة المفتعلة من الاساءات، فيما لو كانوا ما يزالون في مواقعهم الوظيفية.. وما الذي تغير حتى ينقلبوا على المواقف التي كانوا يدافعون عنها.. ولما هذا التناقض في المواقف.. ولمصلحة من.. وكيف لهم ان يقبلوا على انفسهم تقمص أكثر من دور واستخدام أكثر من لغة في التعاطي مع القضايا والملفات الوطنية، لمجرد انهم خضعوا لحكم المنطق وسنة الحياة في ترك المنصب، الذي ما كان ليصل لهم لو انه دام لغيرهم.
ما يقتضي منا التمييز بين مصالحنا الخاصة والمصالح الوطنية.. والا تحولنا من حيث ندري او لا ندري الى معاول هدم بحيث نهدم بيوتنا وندمرها بايدينا. ولو افترضنا ان بعض ما يتم تداوله من هذه الاخبار كان صحيحا مثلا.. فما هي المصلحة في تداولها ونشرها واعادة نشرها.. ولماذا لا يتم تجاهلها وعدم تكرارها وترديدها .. وهل يعقل ان هذه الفئات المتعلمة والمسؤولة، لم تعرف التداعيات والنتائج السلبية والخطيرة المترتبة على تطوعها بدخول بورصة التداول على الصالح العام.
على ما يبدو ان منصات التواصل كان لها اليد الطولى في معرفة حقيقة من نحن.. وكيف نفكر.. وبمبادرة طوعية منا ونحن ندلي بافكارنا وطروحاتنا ومواقفنا المختلفة حيال الاحداث والحالات من حولنا امام الجميع، والتي وصلت حد التناقض وربما الصدمة.. رغم انه كان امامنا الكثير من الفرص والمناسبات واللقاءات التي اتاحت لنا المجال لنعرف ونتعرف على بعضنا أكثر، وان نكون من خلالها بصورة ما يفكر به مثل هؤلاء الذين انقلبوا على مواقفهم ومواقعهم، لنكتشف ان الصورة الملتقطة عنا عبر هذه المنصات هي الاكثر وضوحا والاقرب الى الحقيقة من تلك التي رسمناها عن انفسنا بالمجاملات والمحاباة وتطييب الخواطر . ما يجعلنا نخشى استغلال اصحاب الاجندات المغرضة داخليا وخارجيا، للثغرات التي توفرها وسائل التواصل لهم وتوظيفها في اختلاق الاخبار والمواقف المفبركة، وتقديمها على انها حقائق دون التحقق من صحتها ومصدرها، وذلك بهدف شحن الوضع الداخلي بالاكاذيب والافتراءات، مما يقتضي تحصين الجبهة الداخلية من خطر الاشاعات، وتقوية المناعة الوطنية وتنمية الحس الامني ورفع منسوب الوعي لدى المواطن وتعزيزه، لضمان حمايته من المحاولات المغرضة الرامية الى زعزعة ثقته بمؤسسات الدولة ومواردها ومقوماتها الاقتصادية والاستثمارية، والحيلولة دون احداث الثغرات في جدارنا الوطني. الدستور