هل صحيح أنهم «لا يستحقون العفو»؟
مدار الساعة ـ نشر في 2019/01/10 الساعة 00:08
بعد صدور العفو العام السابق لعام 2011 ، خرج تقرير رسمي يشير الى ان نحو 600 من الذين شملهم هذا العفو عادوا الى السجن قبل أن يمر شهر على اطلاق سراحهم..آنذاك انتبهت الى خلاصة التعليقات والكتابات التي نشرت حول الموضوع فوجدت انها تكاد تجمع على فكرة واحدة ، وهي ان هؤلاء المساجين الذين شملهم العفو العام «لا يستحقون العفو» فهم - بحسب البعض - اختاروا الشر ودونية الحياة، وردوا على خيارنا بالمسامحة والرضى بالاصرار على الجريمة والعودة الى السجن مرة اخرى.وبالتالي لا جدوى من اصلاحهم الا ببقائهم داخل السجن .
الان ربما يتكرر المنطق ذاته ونحن نناقش مشروع العفو الجديد بين من يدافع عن توسيعه لابعد حد وبين من يطالب بتضييقه ، لا اريد بالطبع ان ادخل على خط هذا النقاش الذي من المتوقع ان يحسمه مجلس النواب، لكنني سأشير الى الموضوع من زاوية اخرى تتعلق بالذين يقبعون خلف القضبان في مراكز الاصلاح والتأهيل ( السجون) باختلاف الجرائم التي ارتكبوها ، فانا اتحدث هنا بعين الانسان وبمنطق الاصلاح حين يكون بخدمة المجتمع فقط.
هل صحيح ان هؤلاء « لا يستحقون العفو» بحجة عودتهم مرة ثانية للسجن اذا ما شملهم العفو العام وخرجوا ؟ اعتقد ان هذا المنطق الغريب قائم على فكرة الاقصاء وسوء الفهم والانتصار لتأبيد الجريمة على من ارتكبها الى أن يموت، فهؤلاء الذين يتصورون بان العقوبة هي الحل دائما يعتقدون أن الانسان يولد مجرما، وأن اصلاحه مسألة لا جدوى منها، وبالتالي فان افضل خيار هو ايداعه في السجن الى الابد..
الحقيقة غير ذلك تماما، فهؤلاء الذين اخطأوا من بينهم ضحايا لمجتمع لم يجدوا فيه من يدلهم على طريق الصواب، او يساعدهم على تجاوز الخطأ الذي ارتكبوه ،صحيح ان أقدامهم ضلت عن الطريق المستقيم وانهم «اجرموا» وتجاوزوا القانون واعتدوا على حق المجتمع، لكن الصحيح ايضا انهم نالوا عقابهم او جزءا منه ،لكنهم حين قرروا العودة عنه أو التوبة منه، واجهتهم صدمة الافراج : هذه التي تختزل كل ما أفرزه مجتمعنا من تشريعات ومواقف واتجاهات وممارسات ضد كل من يريد التكفيرعن خطئه أو الاندماج في مجتمعه.. ولذلك قرروا أن يهربوا من السجن الكبير الذي رفضهم الى سجنهم الصغير الذي اعتادوا عليه.
لا يمكن لاحد ان يتوقع بأن من عاش تجربة السجن يمكن ان يقرر العودة اليه بارادته ورغبته، لكن عودة نحو ثلث من شملهم العفو السابق ، وعودة نحو نصف المفرج عنهم سنويا من مراكزنا الاصلاحية ( ومن المؤكد ان هذا سيتكرر مع المفرج عنهم بموجب العفو الجديد) يضعنا أمام سؤال الخطأ الذي نرتكبه نحن بحق هؤلاء، وهو ليس خطأ انسانياً فقط، وانما خطأ يكلفنا عشرات الملايين من المال العام سنويا (كلفة السجين تصل الى 700 دينارا شهرياً)، ويكلفنا اجتماعياً خسارات كبيرة لا يمكن حصرها، ربما تبدوالاجابة عليه صعبة ولكنها في الحقيقة ممكنة، اذ أن كلفة ادماج هؤلاء واصلاحهم وتهيئة المجتمع لقبولهم ورد الاعتبار اليهم أقل بكثير من كلفة دفعهم الى السجن مرة اخرى.
في دراسة حول « صدمة الافراج للسجناء في الاردن» ، قمت بها مع زميلي الباحث عبدالله الناصر وصدرت في كتاب بنحو (600) صفحة قبل سنوات ، اتضح من النتائج أن نحو نصف السجناء الذين قابلناهم كرروا الدخول الى السجن أكثر من مرة، وحين سألناهم لماذا؟ اجابوا بأن المجتمع رفضهم ولم يجدوا فيه ما يغريهم على العيش كباقي البشر: التشريعات لا تنصفهم، أرباب العمل لا يقبلونهم، أسرهم وأولادهم يخجلون منهم، الاصدقاء والاقرباء قرروا مقاطعتهم.. المؤسسات العامة والخاصة تغلق أبوابها في وجوههم... فلماذا يخرجون من السجن إذن؟
لقد اخطأ هؤلاء بحقنا، أو بحق انفسهم، لكنهم بعد ان عاقبناهم قرروا العودة عن الخطأ، فلماذا لا نفسح المكان لاستقبالهم، ولماذا لا تهيأ الظروف لمساعدتهم على التوبة .. هذا السؤال الذي يحتاج بعد اصدار العفو عنهم ( كان يفترض قبل ذلك ) الى اجابة.
باختصار، اخترنا العفو وباركناه، وابتهج به اخواننا المساجين لكن علينا ان نستمر في خيار العفو، وأن لا نحيطه بقرارات الحاكم الاداري أو بذهنية بعض من ينصب نفسه قاضياً ويحكم على البشر بالسجن مدى الحياة.. لأنهم مجرمون لا جدوى من اصلاحهم. الدستور
الان ربما يتكرر المنطق ذاته ونحن نناقش مشروع العفو الجديد بين من يدافع عن توسيعه لابعد حد وبين من يطالب بتضييقه ، لا اريد بالطبع ان ادخل على خط هذا النقاش الذي من المتوقع ان يحسمه مجلس النواب، لكنني سأشير الى الموضوع من زاوية اخرى تتعلق بالذين يقبعون خلف القضبان في مراكز الاصلاح والتأهيل ( السجون) باختلاف الجرائم التي ارتكبوها ، فانا اتحدث هنا بعين الانسان وبمنطق الاصلاح حين يكون بخدمة المجتمع فقط.
هل صحيح ان هؤلاء « لا يستحقون العفو» بحجة عودتهم مرة ثانية للسجن اذا ما شملهم العفو العام وخرجوا ؟ اعتقد ان هذا المنطق الغريب قائم على فكرة الاقصاء وسوء الفهم والانتصار لتأبيد الجريمة على من ارتكبها الى أن يموت، فهؤلاء الذين يتصورون بان العقوبة هي الحل دائما يعتقدون أن الانسان يولد مجرما، وأن اصلاحه مسألة لا جدوى منها، وبالتالي فان افضل خيار هو ايداعه في السجن الى الابد..
الحقيقة غير ذلك تماما، فهؤلاء الذين اخطأوا من بينهم ضحايا لمجتمع لم يجدوا فيه من يدلهم على طريق الصواب، او يساعدهم على تجاوز الخطأ الذي ارتكبوه ،صحيح ان أقدامهم ضلت عن الطريق المستقيم وانهم «اجرموا» وتجاوزوا القانون واعتدوا على حق المجتمع، لكن الصحيح ايضا انهم نالوا عقابهم او جزءا منه ،لكنهم حين قرروا العودة عنه أو التوبة منه، واجهتهم صدمة الافراج : هذه التي تختزل كل ما أفرزه مجتمعنا من تشريعات ومواقف واتجاهات وممارسات ضد كل من يريد التكفيرعن خطئه أو الاندماج في مجتمعه.. ولذلك قرروا أن يهربوا من السجن الكبير الذي رفضهم الى سجنهم الصغير الذي اعتادوا عليه.
لا يمكن لاحد ان يتوقع بأن من عاش تجربة السجن يمكن ان يقرر العودة اليه بارادته ورغبته، لكن عودة نحو ثلث من شملهم العفو السابق ، وعودة نحو نصف المفرج عنهم سنويا من مراكزنا الاصلاحية ( ومن المؤكد ان هذا سيتكرر مع المفرج عنهم بموجب العفو الجديد) يضعنا أمام سؤال الخطأ الذي نرتكبه نحن بحق هؤلاء، وهو ليس خطأ انسانياً فقط، وانما خطأ يكلفنا عشرات الملايين من المال العام سنويا (كلفة السجين تصل الى 700 دينارا شهرياً)، ويكلفنا اجتماعياً خسارات كبيرة لا يمكن حصرها، ربما تبدوالاجابة عليه صعبة ولكنها في الحقيقة ممكنة، اذ أن كلفة ادماج هؤلاء واصلاحهم وتهيئة المجتمع لقبولهم ورد الاعتبار اليهم أقل بكثير من كلفة دفعهم الى السجن مرة اخرى.
في دراسة حول « صدمة الافراج للسجناء في الاردن» ، قمت بها مع زميلي الباحث عبدالله الناصر وصدرت في كتاب بنحو (600) صفحة قبل سنوات ، اتضح من النتائج أن نحو نصف السجناء الذين قابلناهم كرروا الدخول الى السجن أكثر من مرة، وحين سألناهم لماذا؟ اجابوا بأن المجتمع رفضهم ولم يجدوا فيه ما يغريهم على العيش كباقي البشر: التشريعات لا تنصفهم، أرباب العمل لا يقبلونهم، أسرهم وأولادهم يخجلون منهم، الاصدقاء والاقرباء قرروا مقاطعتهم.. المؤسسات العامة والخاصة تغلق أبوابها في وجوههم... فلماذا يخرجون من السجن إذن؟
لقد اخطأ هؤلاء بحقنا، أو بحق انفسهم، لكنهم بعد ان عاقبناهم قرروا العودة عن الخطأ، فلماذا لا نفسح المكان لاستقبالهم، ولماذا لا تهيأ الظروف لمساعدتهم على التوبة .. هذا السؤال الذي يحتاج بعد اصدار العفو عنهم ( كان يفترض قبل ذلك ) الى اجابة.
باختصار، اخترنا العفو وباركناه، وابتهج به اخواننا المساجين لكن علينا ان نستمر في خيار العفو، وأن لا نحيطه بقرارات الحاكم الاداري أو بذهنية بعض من ينصب نفسه قاضياً ويحكم على البشر بالسجن مدى الحياة.. لأنهم مجرمون لا جدوى من اصلاحهم. الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2019/01/10 الساعة 00:08