عرب زريقات.. استعادة قيمنا الأصيلة

مدار الساعة ـ نشر في 2019/01/09 الساعة 00:06

من أجمل ما تابعته، الفيديو الذي تتحدث فيه جدة من جداتنا الأردنيات، اللواتي تشتم فيهن رائحة الأصالة، واللواتي يعيدك حديثهن إلى جذورنا الأولى، أردنيين عرب أقحاح أنقياء، يجمعنا الحب والتواد والتراحم، ولا يفرقنا شيء من تعصب ديني أو مذهبي أو جهوي أو عرقي، لذلك لاغرابة في أن يفتدي بعضنا بعضنا الآخر بحياته وبكل ما يملك، كما فعل فرسان زريقات العرب الأقحاح مع فرسان المجالي، أول الثورة ضد الطوارنين، عندما تحمل زريقات مسؤولية وتبعات لجوء بعض فرسان المجالي إليهم بعد هية الكرك، بكل مخاطر هذا اللجوء، وأولها تعريض زريقات لغضب الإمبراطورية العثمانية واستبدادها في سنواتها الأخيرة، وبالمقابل كيف رد فرسان المجالي الجميل لأهلهم من زريقات، عندما رموا أسلحتهم ولم يطلقوا رصاصة واحدة على الجنود الأتراك، حتى لايصاب أحد من أهلهم زريقات، وهكذا تبادل الأردنيون في هذه الواقعة الفداء بالفداء والكرم بالكرم كما كانت عاداتهم.

حديث جدتي من زريقات مليء بالمحطات التي تذكرنا بذواتنا، كيف كنا لا نقبل الدنية ولا الظلم، دليل ذلك ثوراتنا الأردنية المتتالية على ظلم الطوارنين، وأشهرها هية الكرك عام 1910، لذلك لم يكن غريباً سرعة انضمام العشائر الأردنية إلى ثورة العرب الكبرى، وهو الانضمام الذي أعطى الثورة زخمها الشعبي، وأخرجها من مكة والمدينة إلى بلاد الشام، مما يؤكد أننا أول الثورة ضد الظلم.

ومثلما يذكرنا حديث جدتي من زريقات بأننا شعب لا يقبل الدنية، فإنه يذكرنا أيضاً بأن قوتنا في تلاحمنا الكامل، فنحن الذين سبقنا كل النظريات الحديثة عن التعايش، فقد عشنا مسلمين ومسيحيين حياة احدة؛ فسمينا مساجدنا باسم عيسى بن مريم إيماناً به عليه السلام،ومنا خوري اسمه محمد، وفي مساجدنا تجد من سماه والده بطرس أو عيسى، كما تجد في كنائسنا من سماه والده مصطفى أو عمر أو علي، اعتزازاً بالنبي العربي محمد، وبالخليفتين العربيين عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، لذلك لم يكن غريباً أن ينحاز مسيحو الأردن إلى عروبتهم، وينضموا إلى جيوش الفتح عند خروجها من الحجاز إلى بلاد الشام، فكانوا خير معين لهذه الجيوش على فتح دمشق ومصر، رغم تمسكهم بمسيحيتهم، ولعل هذا ما يفسر لنا أن الكثير من عشائرنا الأردنية موزعة بين الإسلام والمسيحية، لكن العروبة توحدها، فهذه هي العروبة الجامعة التي تذكرنا بها جدتنا من زريقات وهي تصر على وصف أهلها بعرب زريقات مذكرة بـ "الزلم الزينين"، الذين كانوا ينحدرون من أصلاب الأردنيين فترضعهم الأردنيات مسلمات ومسيحيات لافرق، ففي كلتا الحالتين كان الأردنيون يرضعون معنى الإباء والشهامة، ويتربون على قيم التواد والتراحم، وعلى أن يعبدوا الله كلٌ على طريقته في الكنيسة أو المسجد، وأن يصوم المسيحي منهم مع أخيه المسلم في رمضان، وأن يتقبل المسلم مع أخيه المسيحي العزاء في ثالثهم، فكثيراً مارضع الثلاثة من نفس الأم، وهذا هو سر من أسرار التلاحم الأردني، الذي رسمت لنا صورة من صوره المشرقة جدتنا من زريقات، لعل حديثها يكون منارة لنا لترشدنا إلى سبيل استعادة ذاتنا الوطنية وتلاحمنا الأردني وإحياء قيمنا الأردنية الأصيلة. الرأي

Bilal.tall@yahoo.com

مدار الساعة ـ نشر في 2019/01/09 الساعة 00:06