دفاعًا عن «الهيبتين» معًا ..!

مدار الساعة ـ نشر في 2019/01/08 الساعة 01:06
كلما اطل اي خطأ برأسه، سواء تعلق بالتجاوز على القانون، او بغياب موازين العدالة، او بتمدد شبح الفساد والبلطجة، سريعا ما يتردد السؤال: اين هيبة الدولة ..؟ ومن المفارقات ان مشكلة الهيبة هذه اصبحت العنوان الاول في سلّم اولويات عالمنا العربي اليوم، وانها تحظى بدفاع مستميت من الجميع باتجاه الحفاظ عليها او استعادتها، وهذا بالطبع امر مشروع، لكن الغريب ان هيبة المجتمع ما زال مسكوتا عنها، وكأنه لا يوجد للمجتمع اي اعتبار او هيبة، ولا تستحق هذه الهيبة اي حوار اونقاش.
اعرف انه لا يمكن الفصل بين «الهيبتين» باعتبار ان المجتمع مكون اساسي من مكونات الدولة، وهي (الدولة) بالتالي تستمد هيبتها من هيبته، الا ان ما حصل من ابتعاد بين الدولة ( بما تمثله من سلطة) والمجتمع في معظم اقطارنا العربية نتيجة تخلي الدولة عن ادوارها الاساسية اضفى على الموضوع شيئا من المشروعية، لا على صعيد السؤال والنقاش العام فقط، وانما ايضا على صعيد اعادة تعريف الدولة، والسلطة، والمجتمع وفك الاشتباك بينها وترسيم العلاقة بينها ايضا.
ادرك ان هذا الموضوع يحتاج الى نقاش اوسع مما يحتمله هذا المقال، والى رأي فقهائنا في مجالات العلوم السياسية والاجتماع والقانون، لكنني استأذن في تسجيل سبع ملاحظات على الهامش فقط.
الملاحظة الاولى ان التحولات التي حدثت في عالمنا العربي في السنوات السبعة المنصرفة كشفت مسألتين: احداهما هشاشة الدول، والاخرى ضعف المجتمعات، وعلى ضوء ذلك يمكن فهم حالة الاستعصاء التي تمر بها الدولة العربية الآن، ابتداء من العنف باشكاله، ومرورا بالتراجع السياسي والاقتصادي ، وانتهاء بمخاوف انتاج الدولة الفاشلة.
الملاحظة الثانية ان عالمنا العربي عانى طويلا من الصراع بين الدولة والمجتمع، فقد سعى كل منهما على امتداد تجربتنا التاريخية الى «الاستقواء» على الآخر واضعافه، ومع اننا شهدنا في مراحل تاريخية سطوة المجتمع وقدرته على «سدّ « فراغ الدولة، الا ان ثمة ممارسات جرت لاخضاع المجتمع، ثم انتهت الى اسقاط هيبته ومحاصرته وإلحاقه بالسلطة.
الملاحظة الثالثة ان الصراع داخل المجتمع ايضا، بين نخبه وحركاته ومؤسساته، وهو –في الغالب- صراع على المجتمع لا من اجله، اسهم في تمكين السلطة من اخضاع المجتمع وتحديد خياراته، وبالتالي تحييده عن القيام بدوره في المجال العام، ومن اللافت هنا ان صناعة «الثنائيات» في عالمنا العربي وتوظيفها كفزاعات لصدّ محاولات الاصلاح والتغيير جاءت في سياق محاولات الاضعاف التي استهدفت المجتمعات.
اما الملاحظة الرابعة فهي ان الجهود التي بذلت لاستعادة هيبة الدولة انحصرت في مجال الانتصار لمنطق السلطة، بما تتضمنه من قوانين ومقررات سياسية وامنية، فيما ظل مجال الاهتمام بالمجتمع بكل ما يشتمل من قيم واحتياجات ونماذج ومؤسسات مسألة ثانوية تستدعى وقت الحاجة فقط.
الملاحظة الخامسة ان السلطة في عالمنا العربي نجحت في استقطاب ممثلي «الضمير العام» اليها، فأصبحوا ناطقين باسمها لا باسم المجتمع، وبالتالي فوّتت على الدولة فرصة مساهمتهم في بناء مجتمع قوي مقابل سلطة قوية، يمكن ان يتعاضدا معا (كما هو الحال في الدول الديمقراطية) لانتاج دولة قوية.
الملاحظة السادسة ان موضوع الهيبة سواء بالنسبة للسلطة او للمجتمع تم اختزاله في قضايا محددة، واشخاص محددين، وحركات او جماعات معينة فيما كان يفترض ان يكون متعلقا بمرتكزات الدولة، سواء بالقوانين او بالتقاليد او بالقيم الحاكمة او بالضمير العام الذي تمثله السلطة او المجتمع على حد سواء.
تبقى الملاحظة السابعة والاخيرة وهي ان استدعاء الحديث عن هيبة الدولة في مواسم الضعف والعنف فقط، يحتاج الى اعادة نظر، وذلك لان مقياس تراجع الهيبة لا يتعلق فقط بما يصدر عن المجتمع من انحرافات، وانما –ايضا- بما يصدر عن الطرف الاخر من مقررات واجراءات، في اي وقت، كما ان تكرار الحديث عن هيبة الدولة يجب ان يتزامن ويتعاضد دائما مع الحديث عن هيبة المجتمع، باعتبار ان الهيبتين توأمان لا يمكن فصلهما عن بعضهما ابدا. الدستور
  • قانون
  • عرب
  • عربية
  • اقتصاد
  • قوانين
مدار الساعة ـ نشر في 2019/01/08 الساعة 01:06