التوسع الكبير في الإنفاق هو أصل الداء

مدار الساعة ـ نشر في 2017/02/24 الساعة 01:35
مشكلتنا الاقتصادية الكبرى والحقيقية التي تؤرقنا في المنام وفي اليقظة، وندور حولها ونلف منذ سنوات طويلة دون المساس بها، مع أنها واضحة وظاهرة مثل عين الشمس، ويدركها المسؤول والمواطن على حد سواء، ولا تحتاج إلى خبير ونطاسي بارع ليدلنا عليها، حيث أنها تتمثل «بالتوسع الهائل بالانفاق» والمبالغة في ذلك، وفقاً لحسابات خاطئة، أو إمعاناً في الوهم وتسويغه بطريقة مكشوفة، فقد جرى التوسع في تضخيم بعض المؤسسات القائمة وزيادة عدد الموظفين فيها أضعافاً مضاعفة، كما جرى إنشاء عدد كبير من المؤسسات والهيئات برواتب ومكافآت ضخمة لا تتحملها الموازنة الطبيعية للدولة، وليست ضمن المعدلات المقبولة ولا تقترب منها، كل ذلك شكّل عبئاً مضاعفاً، أثقل كاهل الخزينة، لأنها لم تكن ضمن الزيادة الطبيعية للنمو ولم تكن متناسبة ولا موازية للواردات، ما جعل العجز يتراكم، واضطرت الحكومات الهروب إلى القروض والمنح الخارجية والداخلية، حيث أدى ذلك إلى مشاهدة القفز السريع في أرقام المديونية سنة بعد سنة إلى درجة مذهلة.

الحل يجب أن يرتكز على إبصار جوهر المشكلة الحقيقية والشروع فوراً دون إبطاء في معالجة أصل المرض، ولذلك باختصار شديد وببساطة ملحوظة يجب أن ترتكز الإجراءات على التخلص من كل خطوات التوسع في الانفاق التي تمت عبر السنوات السابقة؛ و التي تمثل التشوه الخطير الذي أرهق الخزينة واستنفد موارد الدولة، واعتدى على جيوب المواطنين وغذائهم وقوت أطفالهم، وهدد أمنهم، وجعلهم يعيشون في حالة قلق كبير على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم.

التوسع في الانفاق وزيادة الرواتب والمكافآت، واستحداث الدوائر والمؤسسات ينبغي أن يكون قائماً على زيادة الانتاج وتعظيم الموارد أولاً، وزيادة واضحة وحقيقية في قيم النمو، وزيادة عدد المشاريع الانتاجية وزيادة حجم الاستثمار الذي ينعكس على حجم العوائد الضريبية «بشكل تلقائي» لكن ما حدث كان قائماً على الوهم، ويفتقر إلى الدراسات العلمية والنظرة الموضوعية.

نسبة الضرائب عندنا مرتفعة أصلاً، وهي تشكل نسبة عالية نسبياً و مقررة ومفروضة على المبيعات، أو على الدخول والعوائد المختلفة والمتعددة، وإذا أردنا زيادة العوائد الضريبية ينبغي أن يكون ذلك نتيجة طبيعية لزيادة الانتاج وزيادة الدخول وزيادة النمو، وليس العكس، لأن الذهاب إلى استحداث الضرائب الجديدة أو زيادة نسبتها دون إحداث زيادة حقيقية في الانتاج والاستثمار والربح سوف يشكل عائقاً إضافياً جديداً أمام النمو الحقيقي، وسوف يؤدي إلى نتائج معاكسة تماماً، ولن يسهم في الحل ولن يعالج الخلل.

الأمراض الاقتصادية المزمنة لدينا تتمثل في عجز الحكومات المتتابعة على بناء الاقتصاد الذاتي القوي، والعجز عن زيادة المشاريع الانتاجية، والعجز عن تحسين الموارد الزراعية والصناعية، وعدم القدرة على توفير فرص العمل المنتج لأفواج الشباب المتعاقبة، والعجز عن بناء البيئة الجاذبة للاستثمار، والاستغراق في التوسع غير المدروس في الانفاق، وزيادة الاعتماد على المنح الخارجية، بالإضافة إلى حجم الفساد المرعب الذي فاق حجم اقتصاد الدولة، ومن هنا فإن معالجة الأمراض المزمنة لن يكون بزيادة الضرائب ولا بزيادة الأسعار ولا بتجارة الوهم.
الدستور
  • اقتصاد
  • معان
  • كشوف
  • قائمة
  • الموظفين
  • القروض
  • المنح
  • تقبل
  • عالية
  • الجديدة
  • نتائج
  • شباب
مدار الساعة ـ نشر في 2017/02/24 الساعة 01:35