نطالب بمحاربة الفساد ونتستر على الفاسد ..!!

مدار الساعة ـ نشر في 2019/01/06 الساعة 21:08
/>الكاتب : الدكتور : قدر الدغمي
ليس بالضرورة أن يتعلق الفساد بسلطات الدولة، وتراخيها وعدم جديتها في تطبيق القانون واجتثاث ومحاربة الفساد ومعاقبة الفاسدين بحزم، إنما قد يتعدى ذلك بتراخي العائلة أو العشيرة أو القبيلة في عدم معاقبة أحد أفرادها الفاسدين وغض الطرف عنه خوفاً على شرفها وسمعتها وعلى أن تهتز صورتها أمام المجتمع.
في الواقع لم نسمع يوماً بعائلة أو عشيرة أو قبيلة تبرأت من أحد أفرادها لأنه فاسد أو مختلس للمال العام أو مرتش، ولم نسمع أبداً أن عائلة شهرّت بأحد أبنائها، أو قدمته للقضاء المدني أو حتى للقضاء العشائري بحجة أنه (بوّاق) دخل عليها بمال منهوب أو مسروق، كذلك لم يسبق أن رأينا زوجة ترفض الهدايا الثمينة أو التسوق بمال زوجها المختلس، حتى وهي تعرف أنه سرقه من قوت الشعب من خلال موقعه واستثماره لوظيفته واستغلال منصبه، ايضاً لم نجد أبناً يرفض مصروفه السخي المقدم له من والده لقناعته بأنه مال سحت وحرام.
على النقيض من ذلك فقد رأينا عائلات وعشائر تعلي من شأن أبنائها اللصوص وتحط من قدر الشرفاء لأنهم لا ينثرون المال في مجالس العشيرة مثله كرماً وبذخاً، وكأن الحال تقول ليس المهم فقط أن تسرق من مال الشعب، إنما أيضا أن يعلم هذا الشعب بأنك سرقته ليجدد لك الاحترام والتقدير والتقديس كونك (ترش عليه).
في النفاق الاجتماعي الظاهر للعيان، لن ترفض عائلة أن تزوج ابنتها لأحد اللصوص الذين سرقوا الملايين من مال الشعب، لكنها بالمقابل لن تقبل أن تزوج تلك الأبنة من لص صغير دخل السجن في قضية تافهة كسرقته (ليفـة اسـفنج) من مستودع الدائرة التي يعمل بها، لأن ذلك عار على شرف العائلة فهي لا تقبل بغير مصاهرة "اللصوص المحترمين من العيار الثقيل"..!
الكل يعلم بأن قصص الثراء السريع تحيط بنا من كل جانب، القصور الفاخرة والسيارات الفارهة، وأنماط العيش المترفة التي لا يستطيع أن يعيشها أثرى أثرياء العالم، ومع ذلك نخفض الجناح احتراماً لهؤلاء اللصوص الكبار، حتى ونحن نعلم أنهم يسرقوننا وضح النهار.
نحن بحاجة لمراجعة ومعالجة ثقافة مجتمعنا، خاصة فيما يتعلق بالمفاهيم المتعلقة في الثراء والخيانة والفساد والحلال والحرام والعيب والشرف، وبحاجة لعائلة وعشيرة وقبيلة تجرد أبنها الفاسد الحرامي كبيراً كان أم صغيراً، وتعاقبه في محيطها الاجتماعي قبل أن تصل إليه يد العدالة أو بالمفهوم العامي يد الدولة.
لقد كان مجتمعنا إلى حد ما حتى قبل نهاية القرن الماضي نقياً عفيفاً شهماً في رفضه للفاسدين واللصوص، قبل أن يتحول إلى مجتمع مادي يعلي من قيمة الفاسدين وأمثالهم، ويقف سداً منيعاً ضد محاسبتهم ونبذهم واحتقارهم.
مدار الساعة ـ نشر في 2019/01/06 الساعة 21:08