صحفيات أردنيات يبحثن عن الإنصاف ويروين قصصهن (تحقيق)
ديمة محبوبة
يكافح الصحفيون بشكل عام للحفاظ على حضور قوي في المهنة إن كانوا يعملون لحسابهم الخاص، فالمنافسة ليست سهلة، كما أن كل مادة صحفية ينتجونها تشكل مغامرة لحين نشرها والحصول على عائد مناسب.
وقد تمتلك الصحفيات اللواتي لجأن للعمل بشكل حر أسباباً إضافية، دفعتهنّ إلى ممارسة العمل الصحفي عن بعد، نظراً لما يوفره من مزايا رغم ما ينضوي عليه من سلبيات أيضاً.
الصحفية الاستقصائية أنصار أبوفارة اتجهت إلى العمل بشكل حر منذ عام 2015، وما زالت مستمرة على ذات النهج، كونها وجدت فيه المرونة التي تمكنها من إنتاج أعمال صحفية ذات قيمة، وفق جدول زمني معين تنظمه بنفسها حسب ما يتوافق مع مسؤولياتها الأخرى كأم لطفلين.
في بداية مشوارها المهني، خاضت أبوفارة عدداً من التجارب في عالم الصحافة، ثم عملت كمديرة تحرير في إحدى وكالات الأنباء الإلكترونية المحلية، وقد تطلبت طبيعة عملها التواجد الدائم في المكتب لما يزيد على تسع ساعات يومياً، دون إجازات أو حتى نظام عمل واضح، فلا أنظمة ولا قواعد تحكم العمل سوى إملاءات رئيس التحرير الذي يعمل وفقاً لتوجهات الشركة الإعلامية مالكة الوكالة.
"كان العمل مقيداً"، تقول أبوفارة، فعلى الرغم من بذل مجهود كبير والعمل لساعات طويلة، لم تكن النتيجة مرضية بالنسبة لها، كونها لا تقدم عملاً صحفياً إبداعيا ذا قيمة، ولا مجال للتطور أو التقدم في المهنة في بيئة عمل كهذه، علاوة على ذلك، لم تكن الأجور على أساس الكفاءة، إذ كان المحرر في ذات الوكالة يتقاضى أجراً أعلى لأنه يعمل في الشيفت المسائي.
ومنذ أن اتجهت إلى العمل الاستقصائي، وجدت أنصار أن العمل كصحفية مستقلة سيكون خياراً مناسباً، فالمرونة التي يوفرها العمل بحرية دون الالتزام بعمل رسمي ساعدها في التركيز على تنفيذ التحقيقات التي تختار مواضيعها بنفسها، والعمل مع مؤسسات متخصصة بالصحافة المعمقة داخل الأردن وخارجه، مؤكدة على أن متطلبات العمل الصحفي لا تختلف بالنسبة لصحفي مستقل أو غير مستقل، "فالهدف هو الحصول على المعلومة أينما كانت"، وقد يواجه الصحفي المستقل صعوبات في الوصول إلى المصادر كونه لا ينتمي لمؤسسة محددة، فيصبح التعامل معه بشكل فردي معتمد بالدرجة الأولى على قوة عمله.
ورغم ما ينضوي عليه العمل الحر من سلبيات تتعلق بعدم وجود تأمين وتذبذب المردود المادي، لكن أبوفارة تؤكد من خلال تجربتها، أن ذلك يمكن تجاوزه ببناء شبكة علاقات مع المحررين المهتمين بنوعية العمل الذي تقوم بإنتاجه، والتطوير المستمر لمهارات الصحفي أو الصحفية للحصول على شروط عمل جيدة بشكل دائم، معتبرة أن حصولها على وظيفة بدوام كامل سيلقي على كاهلها مزيداً من الأعباء المتعلقة بالالتزامات العائلية والعناية بالأطفال، فالمؤسسات الصحفية تفتقر لحضانات الأطفال وهذا بحدّ ذاته عائق رئيسي، على حدّ قولها، مشيرة إلى اتهامها بالتقصير في بعض الأحيان خلال عملها السابق إن اضطرت للمغادرة أو التغيب لأسباب تتعلق بطفلتها.
لماذا تلجأ الصحفيات للعمل الحر
الإعلامية منال عمرو، وجدت في العمل المستقل الحرية التي تتناسب وطموحها وأهدافها للكتابة عن حقوق الإنسان والقضايا الاجتماعية الحسّاسة، وهذا ما افتقدته خلال عملها في إحدى المؤسسات الإعلامية بوظيفة ثابتة، إذ كانت سياسات إدارة المحطة الفضائية تقيد عمل الصحفيين والصحفيات بشكل دائم، وتفرض عليهم مواضيع معينة للعمل عليها، وتوجههم وفقاً لمصالحها وأهدافها، فوجدت منال أنه من الخاطئ استمرارها في العمل ببيئة تحدّ من طموح العاملين فيها، وهذا ينطبق على الذكور والإناث، وفقاً لها.
استقالت منال وعادت إلى العمل كصحفية مستقلة كما كانت في بداية طريقها المهني، مستفيدة من الدورات التدريبية التي خضعت لها وساعدتها في ممارسة العمل الصحفي بشكل حر.
من جهته، يرى الخبير الاجتماعي والاقتصادي حسام عايش أن العمل الصحفي له خصوصية معينة في كيفية تطبيق العمل، فإن قيدت تلك المؤسسات عمل الصحفي أو الصحفية بساعات عمل طويلة، تكون قد غفلت عن الأمر الأهم وهو الإنجاز وليس الحضور بوجود الجسد دون إنتاج، فتلجأ بعض الصحفيات إلى العمل المستقل للعمل بدون قيود زمنية، أو سقف يحد من طموح تطلعاتها الصحفية.
ويشير عايش إلى أن المؤسسات الإعلامية التي تحدد عمل الصحفيين والصحفيات وتربطه بساعات، ستدفع العاملين لديها للعمل من أجل الراتب، وخاصة في ظل الظروف المالية الصعبة لغالبية الأسر، وهذا يفتح باب التمييز بحقّ المرأة، من خلال الرواتب أو الحوافز وكذلك أوقات الدوام.
ومن ناحية أخرى، تتعرض بعض الصحفيات للكثير من الضغوط نتيجة التزاماتهنّ العائلية، فيجبرن على الاستغناء عن عملهن الدائم، ويتجهن للعمل الحر.
وتؤكد رئيسة مركز الإعلاميات العربيات محاسن الإمام على ذلك مستندة على شهادات إعلاميات عن مشكلة التمييز الجندري الذي يتعرضن له داخل مؤسساتهن كلّ في بلدها.
كما يشير مدير مركز الثريا للدراسات والأبحاث، الأستاذ في علم الاجتماع محمد جريبع، إلى ازدياد التمييز ضد المرأة بشكل عام في كل المؤسسات، موضحاً أن الجندر من أكثر المفاهيم المتداولة بين الناس بطريقة خاطئة، ويفهم على أساس الجنس، ذكر وأنثى، لكن الحقيقة أنه يعتمد على تقسيم الأدوار بين الذكر والأنثى.
وقد يتعرض الرجل داخل عمله لتمييز وتهميش، لأسباب مختلفة وبدرجات متفاوتة، لكنّ التمييز بحق المرأة ناتج بشكل رئيسي عن المعتقدات والصور النمطية لدى البعض، كما يوضح جريبع، مشيراً إلى أن "الرجل يتأثر بهذه الصور للأسف، ولا يستطيع أن يفكر بالمرأة بعيدا عن جسدها".
ولا تزال مشاركة المرأة في القوى العاملة بالأردن من أكثر النسب المتدنية في العالم، إذ تبلغ نسبة النساء في سوق العمل الأردني 13.2 % فقط، وهناك نسبة بطالة عالية بين الخريجات الجامعيات، كما يأتي الأردن في المرتبة 134 من أصل 144 دولة على سلم الفجوة الجندرية، وفق تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2016.
الاستقرار الوظيفي
بعد استبعاد إيناس (اسم مستعار) من عملها كمراسلة في إحدى الإذاعات الأردنية، من أجل تخفيض النفقات، عملت بشكل مستقل لفترة في العمل البحثي، وفي إعداد تقارير ميدانية إذاعية وتلفزيونية، وتحرير تقارير صحفية في مواقع ومحطات إذاعية وتلفزيونية عديدة، وقد أثبتت نفسها في العمل رغم أنها لم ترغب بخوضه بداية.
لكن فكرة الأمان الوظيفي والالتحاق بمؤسسة ذات صيت رافقت إيناس كل الوقت، ودفعتها للبحث باستمرار عن وظيفة مناسبة حتى وجدتها، وهي مسؤولة اليوم عن تدريب الصحفيين في إحدى المؤسسات الإعلامية، رغم أن مهام وظيفتها انحصرت بالسكرتاريا أكثر من التدريب، لكنها مستمرة بحثاً عن الاستقرار.
وتجد الصحفية صفاء (اسم مستعار)، أن المرأة الإعلامية تتعرض للكثير من الضغوط في المؤسسات، بسبب الصور النمطية، وقد تعرضت خلال عملها للتمييز بسبب تلك النظرات، ففي الوقت الذي نجد فيه رؤساء عمل يرفضون خروج فتاة لتصوير حدث ما، ويفضلون توكيل المهمة لزميلها الرجل، نجد مؤسسات أخرى تهتم بدعم المرأة حتى لو على حساب الكفاءة، على حدّ قولها.
وفي ضوء ذلك، يؤكد الخبير الاقتصادي حسني عايش أن الظرف الاقتصادي يحد من خيار العمل الحر، فالمرأة الأردنية تشارك في إعالة أسرتها مناصفة، فيترتب عليها التزامات شهرية كزوجها تماما، وفي بعض الأحيان يكون العمل الحر مجزياً مالياً، لكنه غير مستمر وغير ثابت، ما يجعل الكثيرات يستبعدن فكرة الاستقلالية، وهذا ينطبق على الصحفيات أيضاً.
ويشجع عايش العمل الحر كوسيلة لمحاربة البطالة، وبخاصة للطلاب الخريجين الباحثين عن العمل، أو من يجدون أن حبال المؤسسة بدأت تضيق عليهم، فيجدون في العمل الحر سبيلا لتحقيق طموحاتهم.
ويشير جريبيع إلى أن من يختار العمل الحر عليه أن يعلم بأن هناك صعوبات تنتظره بعيدا عن الانتماء لمظلة مؤسسة، فالمردود المالي من الممكن أن يكون قليلا وخصوصا في البداية، بلا تأمين صحي أو اشتراك في الضمان الاجتماعي، وهذه امتيازات عادة يتمتع بها الموظف المنتمي للعمل المؤسسي.
وسعياً إلى تحسين أوضاع الصحفيات والصحفيين الذين يعملون بشكل مستقل، طالبوا بضمهم لنقابة الصحفيين الأردنيين، وتأمينهم بمظلة قانونية تحمي حقوقهم العمالية، لكن مطالبهم قوبلت بالرفض، كون قانون نقابة الصحفيين يشترط انتساب عضو النقابة لمؤسسة، مصنفة تحت مظلة الضمان الاجتماعي، وأن يتجاوز مدة تدريبية لا تقل عن عام واحد لخريجي الصحافة والإعلام، وعامين لمن درس تخصصاً آخر، وفقاً لنقيب الصحفيين راكان السعايدة.
ويؤكد أن قانون النقابة لن يتم تعديله حاليا، باتجاه توسعة مظلة الأعضاء، لما يضيفه ذلك من عبء كبير على النقابة من ناحية تكاليف صندوق التقاعد والرسوم السنوية والتأمين الصحي، إضافة إلى أن النقابة تحاول إيجاد عمل لكل منتسبيها، وهذا مستحيل في الوقت الراهن.