ترامب قرّر الانسحاب لكن طائراته ما زالت تقصف شرقي سوريا
مدارر الساعة - في ظل قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، سحب قواته من سوريا، الشهر الماضي، تواصل طائرات بلاده استهداف مواقع تحت سيطرة تنظيم الدولة في الجزء الشرقي من البلاد.
ويقطن في المناطق التي يفرض تنظيم الدولة سيطرته عليها قرابة 50 ألفاً إلى 60 ألفاً، لا يملكون أي جهة يلتجئون إليها؛ بسبب قصف قراهم، حسبما أفاد تحقيق مشترك أجراه موقع "ذا إنترسبت" الأمريكي وشبكة الجزيرة.
وظلّت القرى الواقعة في قبضة تنظيم الدولة أهدافاً للقصف الجوي الأمريكي، منذ نوفمبر، في إطار عملية عسكرية جامعة. وإلى جانب الأهداف العسكرية قصف التحالف في تلك العملية مناطق مدنيّة، من بينها مشفى.
ترامب المفاجئ
وقد تفاجأت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بقرار ترامب، في 19 ديسمبر، القاضي بسحب القوات الأمريكية البرية المنخرطة في قتال تنظيم الدولة في سوريا.
وامتنع الرئيس الأمريكي -في حديثه مع صحفيين، الأربعاء- عن تحديد جدول زمني للانسحاب، قائلاً إنه قد يحدث "خلال فترة من الزمن".
على أن كثافة القصف تدحض مزاعم ترامب وآخرين بأن تنظيم الدولة هُزم، أو أن الحرب الأمريكية في سوريا -التي ظلّت تُشنّ في الغالب من الجو- وضعت أوزارها. ويبقى من غير الواضح ما إذا كانت الضربات الجوية الأمريكية ستستمرّ حال انسحاب القوات من هناك.
وبحسب التحقيق، فإن التحالف في قتاله ضد التنظيم يستهدف على ما يبدو مقاهي الإنترنت التي يرتادها المدنيون ومقاتلو التنظيم على حدٍّ سواء في القرى.
ورغم أن استخدام تلك المقاهي ليس جزءاً من بنية الاتصالات التكتيكية لتنظيم الدولة، فإن المسلّحين عادة ما يستعينون بها للتواصل مع العالم الخارجي، وخاصة مع عائلاتهم في الدول الأخرى.
وبيّن التحقيق، على لسان مقاتل بتنظيم الدولة لموقع إنترسبت: "إنهم (التحالف) يريدون فقط إحداث بلبلة وفوضى. إنهم يقصفون أماكن بيع الغازولين للسيارات، أو بيع زيت الطهي، أو حيث تصفية المياه، إنهم يقصفون تلك الأماكن وليس مقاهي الإنترنت وحدها، بل يقصفون كل شيء، لا لشيء سوى جعل حياة الناس لا تطاق".
وفي السياق قتل التحالف الدولي 11 مدنياً من عائلة واحدة، اليوم الخميس، بينهم أطفال؛ إثر قصفه بعدة صواريخ منزلاً في بلدة "الشعفة" بريف دير الزور الشرقي، بحسب وكالة الأناضول التركية.
وأقرّ التحالف الدولي، الأحد الماضي، بمسؤوليته عن مقتل 1139 مدنياً؛ جراء غاراتٍ بدون قصد نفّذتها طائراته، اعتباراً من بدء عملية "العزم الصلب"، في 2014.
وذكر التحالف أن 194 بلاغاً عن مقتل مدنيين كانت قيد التحقّق من صحّتها من قبل التحالف، في شهر نوفمبر الماضي، وتم تصنيف معلومات عن 20 حادثاً بغير الموثّقة، في حين تأكّدت صحة 3 بلاغات تفيد بمقتل 15 مدنياً، ويُجري التحالف في الوقت الحالي تحرّياً في 184 بلاغاً.
الوحدات الكردية تهرول نحو الأسد
انسحاب ترامب كان مفاجئاً للوحدات الكردية التي تدعمها واشنطن منذ عام 2015، وتقود العمليات البرية ضمن التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، ما جعلها تهرول طالبة الحماية من نظام الأسد.
ووصفت الوحدات الكردية قرار ترامب بسحب قواته من سوريا بالخيانة، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، خصوصاً مع استشعارهم الخطر من عملية مرتقبة لتركيا نحو مناطق شرق الفرات.
وأشار التحقيق إلى أنه بعد إجلاء المدنيين من قرية الكشمة، تفاوض تنظيم الدولة مع الأكراد على هدنة من ثلاثة أيام.
ويوم الاثنين الماضي، دخلت 7 شاحنات محمّلة بمواد غذائية ومساعدات إنسانية إلى مناطق سيطرة تنظيم الدولة، بموجب اتفاق الهدنة، على حدّ قول مصدر من التنظيم وآخر من قوات سوريا الديمقراطية (الوحدات الكردية إحدى مكوّناتها).
وكان مقرّراً في بادئ الأمر أن تنقضي الهدنة في 31 ديسمبر، إلا أن المسؤولين في تنظيم الدولة مستغرقون في مباحثات بشأن احتمال تمديدها لستة أشهر، حسبما أفاد مقاتل من التنظيم على إلمام بما يجري لكنه غير منخرط فيها بشكل مباشر.
وخلال فترة وقف إطلاق النار المؤقتة، فرّ عدد من مقاتلي التنظيم وبعض المنشقّين منه إلى مناطق أخرى من سوريا قادمين من دير الزور، طبقاً للتحقيق.
وينوّه التحقيق بأن وقفاً دائماً لإطلاق النار سيسمح لمقاتلي تنظيم الدولة بالتجمّع مرة أخرى، وبوصول الإمدادات إلى القرى التي هي في أمسّ الحاجة إليها. وسيكون الأكراد في مأمن من خوض حرب على جبهتين إذا ما هاجمهم الأتراك.
ولفت التحقيق على لسان مقاتل من التنظيم: "إنهم (الولايات المتحدة) طعنوا كل حلفائهم من الخلف، ويقتلون الناس هنا، وفي نهاية المطاف سيصمد تنظيم الدولة وسينتشر أو سينهار. لكن سيكون هناك أناس سيتذكّرون ما حدث هنا، وسيواصلون نقل هذه المعلومات وينشرونها في أرجاء الشرق الأوسط".
وقال الباحث وأستاذ القانون الدولي، كيفن جون هيلر، إن الولايات المتحدة لا تستطيع قانونياً مهاجمة المستشفيات حتى لو كانت على قناعة بأن بعض مقاتلي تنظيم الدولة يتحصّنون بداخلها، بحسب التحقيق.
وأضاف هيلر، الذي يدرّس القانون الدولي بجامعتي أستراليا الوطنية وأمستردام: "لا تستطيع الولايات المتحدة ضرب المستشفيات دون سابق إنذار ودون إعطائها قدراً مناسباً من الوقت، إما لمنع تنظيم الدولة من استخدامها أو لإجلاء الأفراد المدنيين والجرحى منها".
وذكر هيلر أن قصف أي مستشفى في منطقة تشهد قتالاً دون أخذ الضحايا المدنيين في الاعتبار أو تحذيرهم، يُعدّ انتهاكاً أساسياً للقانون الإنساني الدولي، الذي هو أحد مكوّنات القانون الدولي المنظِّم للسلوك أثناء الحرب، والمعنيّ بحماية المدنيين.
ويُسفر قصف التحالف على الأحياء السكنية في مناطق سيطرة تنظيم الدولة عن مقتل مئات المدنيين منذ عام 2014.