تحسين الصورة أم إصلاح الأصل..؟
مدار الساعة ـ نشر في 2019/01/02 الساعة 00:09
صحيح اننا قلبنا صفحة العام المنصرف، بما له وما عليه، لكن الصحيح ايضا هو اننا سنظل في العام الجديد الذي داهمنا متعلقين بتركة الاعوام الماضية، بما تحمله من جراحات واوجاع، وبما نستطيع ان نبعثه في حياتنا من آمال وطموحات، اذ لا يجوز ان ننظر فقط الى الوجه الاسود المظلم مما اصابنا، وانما لا بد ان نتطلع الى الوجه الاخر المشرق الذي صنعناه بايدينا او الذي يمكن ان نصنعه في المستقبل.
في مستهل العام يمكن ان نقول للحكومة بصراحة ان موسم محاولة تزيين الصورة وتحسين الوضع القائم يجب ان ينتهي ليبدأ موسم جديد عنوانه اصلاح الاصل وتغيير النهج، كما يمكن ان نقول للنخب التي ما زالت تتفرج على المشهد ان بلدنا بحاجة الى مواقف عابرة للصمت وللحسابات الشخصية، وعابرة ايضا للاشتباكات والتصنيفات والمزاج السياسي الذي جربناه واورثنا كل ما نعانيه من مشاكل، ونحن جميعا جزء منها، ثم نقول للناس الطيبين : شكرا لكم فقد تحملتم عبء القرارات الخاطئة، وسواء بقيتم صامتين او كسرتم حواجز الخوف والتردد فقد اثبتم انكم منتمون حقا لوطنكم، وحريصون على امنكم واستقراركم.
اذا تجاوزنا هذه المقدمة التي فرضتها مناسبة الدخول الى عام جديد، فان الوقوف امام سؤال : اين اصبنا واين اخطأنا يبقى هو الاهم، صحيح ان جردة حسابات العام المنصرف كانت طويلة، لكنني لا اريد ان اخوض في تفاصيلها التي حظيت بنقاشات وردود افعال واسعة، ( اخرها تقرير حالة البلاد الذي صدر مؤخرا) ما يهمني هو الصورة التي ظهر فيها مجتمعنا عند تفاعله معها، وهي صورة لا تبعث – للاسف – على الاطمئنان، ففيما كنت اتمنى ان نكون في هذه المرحلة بالذات على قلب رجل واحد، فإن هذه الأزمات كشفت عن ملاحظات لا بد ان نتوقف عند بعض منها.
الملاحظة الاولى هي حالة الانقسام بين القوى السياسية وما ترتب عليها من تداعيات على الصعيد الاجتماعي، الثانية هي غياب الظهير السياسي للدولة، ليس فقط بسبب تعطل السياسة او غموضها، وانما ايضا بسبب حالة الاستعداء التي تصاعدت بين التيارات السياسية، ثم افتراقها على قاعدة تضارب المصالح والاجندات، الملاحظة الثالثة هي عودة الشارع الذي كدنا نظن انه استسلم للصمت، وهذه العودة تزامنت مع رحيل حكومة وتشكيل حكومة جديدة، ثم استمرت الاحتجاجات من جديد ( لاحظ هذا التزامن والاستمرار )، ما يعني ان ازمتنا السياسية لا تزال قائمة، واما القضية الرابعة فهي القطيعة( هل اقول غياب الثقة) التي بدت واضحة بين الدولة واجهزتها وبين المجتمع، ففيما التزم بعض المسؤولين بالصمت، وتعامل اخرون مع هذه الازمات بمنطق « الاستفزاز « مع غياب التنسيق، تحرك المجتمع بشكل غير منتظم للرد، فاختلطت الحقائق بالاشاعات، ودخلت اطراف اخرى لتوظيف ما جرى لحساباتها، اما صوت « العقل « فقد غاب تماما عن المشهد.
ثمة سؤال اخر ما زال يتردد في اوساطنا ولم نسمع له اجابة واضحة وهو الى اين نسير: في الاتجاه الصحيح ام الخاطئ، لا يهم من هو المقصود بذلك: الحكومة ام المجتمع، صحيح ان الحكومات تتحمل مسؤولية ما انتهى اليه المجتمع من خيبات وانكسارات، لكن الصحيح ايضا هو ان المجتمع باحزابه ونقاباته وقواه المختلفة مسؤول ايضا عن هذا المصير، سواء حين صمت عن الكلام او انسحب من الواقع او شارك في الخطأ، او جلس متفرجا على الشرفات.
مهما يكن فقد كان من واجب الدولة -بمختلف مؤسساتها واجهزتها - ان تتدخل لتصحيح خياراتها، والتدخل هنا يحتاج الى مسألتين: اولاهما دفع حركة السياسة التي تعطلت منذ سنوات لتكون فاعلا حقيقيا ومقنعا، ثم تغيير نهج السياسة نحو اتجاهات اخرى تتناسب مع حاجات الناس وما جرى من تطورات في الداخل والاقليم والخارج، وما افرزته السياقات الاقتصادية من خوف وخيبة واحساس بالتهميش وغياب العدالة والخطر القادم.
اما المسألة الثانية فهي اعادة «الهيبة» والاحترام للمجتمع والتوقف نهائيا عن العبث فيه، وافساح المجال امامه لكي يشارك ويكون حاضرا في المشهد العام، وهذه كلها تحتاج الى ردم فجوة الثقة التي اتسعت بينه وبين حكوماته ومؤسساته، كما تحتاج الى «تمكينه» من تنظيم نفسه بنفسه، وتحديد خياراته، وبناء قدراته وتحصين جبهاته الداخلية.
كل عام وأنتم بخير الدستور
في مستهل العام يمكن ان نقول للحكومة بصراحة ان موسم محاولة تزيين الصورة وتحسين الوضع القائم يجب ان ينتهي ليبدأ موسم جديد عنوانه اصلاح الاصل وتغيير النهج، كما يمكن ان نقول للنخب التي ما زالت تتفرج على المشهد ان بلدنا بحاجة الى مواقف عابرة للصمت وللحسابات الشخصية، وعابرة ايضا للاشتباكات والتصنيفات والمزاج السياسي الذي جربناه واورثنا كل ما نعانيه من مشاكل، ونحن جميعا جزء منها، ثم نقول للناس الطيبين : شكرا لكم فقد تحملتم عبء القرارات الخاطئة، وسواء بقيتم صامتين او كسرتم حواجز الخوف والتردد فقد اثبتم انكم منتمون حقا لوطنكم، وحريصون على امنكم واستقراركم.
اذا تجاوزنا هذه المقدمة التي فرضتها مناسبة الدخول الى عام جديد، فان الوقوف امام سؤال : اين اصبنا واين اخطأنا يبقى هو الاهم، صحيح ان جردة حسابات العام المنصرف كانت طويلة، لكنني لا اريد ان اخوض في تفاصيلها التي حظيت بنقاشات وردود افعال واسعة، ( اخرها تقرير حالة البلاد الذي صدر مؤخرا) ما يهمني هو الصورة التي ظهر فيها مجتمعنا عند تفاعله معها، وهي صورة لا تبعث – للاسف – على الاطمئنان، ففيما كنت اتمنى ان نكون في هذه المرحلة بالذات على قلب رجل واحد، فإن هذه الأزمات كشفت عن ملاحظات لا بد ان نتوقف عند بعض منها.
الملاحظة الاولى هي حالة الانقسام بين القوى السياسية وما ترتب عليها من تداعيات على الصعيد الاجتماعي، الثانية هي غياب الظهير السياسي للدولة، ليس فقط بسبب تعطل السياسة او غموضها، وانما ايضا بسبب حالة الاستعداء التي تصاعدت بين التيارات السياسية، ثم افتراقها على قاعدة تضارب المصالح والاجندات، الملاحظة الثالثة هي عودة الشارع الذي كدنا نظن انه استسلم للصمت، وهذه العودة تزامنت مع رحيل حكومة وتشكيل حكومة جديدة، ثم استمرت الاحتجاجات من جديد ( لاحظ هذا التزامن والاستمرار )، ما يعني ان ازمتنا السياسية لا تزال قائمة، واما القضية الرابعة فهي القطيعة( هل اقول غياب الثقة) التي بدت واضحة بين الدولة واجهزتها وبين المجتمع، ففيما التزم بعض المسؤولين بالصمت، وتعامل اخرون مع هذه الازمات بمنطق « الاستفزاز « مع غياب التنسيق، تحرك المجتمع بشكل غير منتظم للرد، فاختلطت الحقائق بالاشاعات، ودخلت اطراف اخرى لتوظيف ما جرى لحساباتها، اما صوت « العقل « فقد غاب تماما عن المشهد.
ثمة سؤال اخر ما زال يتردد في اوساطنا ولم نسمع له اجابة واضحة وهو الى اين نسير: في الاتجاه الصحيح ام الخاطئ، لا يهم من هو المقصود بذلك: الحكومة ام المجتمع، صحيح ان الحكومات تتحمل مسؤولية ما انتهى اليه المجتمع من خيبات وانكسارات، لكن الصحيح ايضا هو ان المجتمع باحزابه ونقاباته وقواه المختلفة مسؤول ايضا عن هذا المصير، سواء حين صمت عن الكلام او انسحب من الواقع او شارك في الخطأ، او جلس متفرجا على الشرفات.
مهما يكن فقد كان من واجب الدولة -بمختلف مؤسساتها واجهزتها - ان تتدخل لتصحيح خياراتها، والتدخل هنا يحتاج الى مسألتين: اولاهما دفع حركة السياسة التي تعطلت منذ سنوات لتكون فاعلا حقيقيا ومقنعا، ثم تغيير نهج السياسة نحو اتجاهات اخرى تتناسب مع حاجات الناس وما جرى من تطورات في الداخل والاقليم والخارج، وما افرزته السياقات الاقتصادية من خوف وخيبة واحساس بالتهميش وغياب العدالة والخطر القادم.
اما المسألة الثانية فهي اعادة «الهيبة» والاحترام للمجتمع والتوقف نهائيا عن العبث فيه، وافساح المجال امامه لكي يشارك ويكون حاضرا في المشهد العام، وهذه كلها تحتاج الى ردم فجوة الثقة التي اتسعت بينه وبين حكوماته ومؤسساته، كما تحتاج الى «تمكينه» من تنظيم نفسه بنفسه، وتحديد خياراته، وبناء قدراته وتحصين جبهاته الداخلية.
كل عام وأنتم بخير الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2019/01/02 الساعة 00:09