للطعام ذكريات

مدار الساعة ـ نشر في 2018/12/31 الساعة 00:38

يقول خالد: ليست وظيفة الطعام منحصرة بتحصيل الغذاء أو الشبع أو الاستمتاع فقط، بل له وظيفة جميلة إضافة لما سبق، وهي إحياء الذكريات. فعندما كنت أسافر خارج البلاد كنت أحبّ أن أصنع الأطعمة التي اعتدت على أكلها في بلدنا الحبيب كالمقلوبة والمنسف، ومع كامل تحفظاتي الطبية عليهما، حيث يرفع المنسف السكري بسبب النشويات في الأرز، والضغط بسبب ملوحة الجميد في اللبن، والدهون الثلاثية بسبب اللحم الدسم، ومع ذلك يظل وجبة تعيد آكلها إلى جو الأردن وأهله، ويتذكر بسببه الإنسان جلساته بين أفراد أسرته.
يسأل حسن: وماذا عن الأكلات في تلك البلاد التي زرتها؟
خالد: عندما آكل بعض الأطعمة التي اعتدت على أكلها في غربتي أتذكر تلك الأيام الجميلة وأهلها، فالكشري يذكرني بالقاهرة وأيامها، ويأخذني بعيدا إلى ساحات سيدنا الحسين، وشوارع العتبة. وأم علي والأرز باللبن تحملني إلى شارع محمد علي. أما المكدوس وشيخ المحشي فأرحل بهما إلى دمشق، وإذا أكلت الكبة أو التبولة تذكرت بيروت وأيامها. وفي الكسكسي والبسطيلة أتذكر الرباط ومراكش وكازابلانكا. أما الهريس والثريد فيحملني إلى أبو ظبي والعين وعجمان. والكِسرة تأخذني إلى الخرطوم، والسمبوسة والبرياني إلى الهند.
تأملت هذا الحوار الماتع عن الطعام، وأيقنت أن للطعام ذكريات يحملها لمن يقدَّم إليه، تحفر رائحته الزكية في عقل وقلب آكله، لتظل ذكرى المكان والزمان والأشخاص حاضرة مهما بعُد الزمان والمكان. وتظل تلك الأطباق تحمل هوية بلاد وشعوب، حتى لو صنعت بعيدا عنهم.
لكن المشكلة في ذلك الحوار الذي يفتح الشهية والنفس أنه كان في بيتٍ للعزاء، ولم يكن المجاورون لنا يتحدثون بشيء أفضل، حيث كانوا يناقشون أسعار البورصة والسوق المالية، ويحللون سبب الارتفاع والانخفاض، وما هي الشركات التي ينبغي أن يستثمر فيها التاجر الشاطر. كل هذا في بيت العزاء.
صحيح أن المجالس مدارس، وأن الإنسان يستفيد من مجالسة الآخرين، لكن لكل مقام مقال، ربما استرحنا إلى حدٍّ ما من التدخين في بيوت العزاء، لكن هذا الكلام وأشكاله لا يقل دخانه وسمّه في بيت العزاء عن السجائر ودخانها.

الدستور

مدار الساعة ـ نشر في 2018/12/31 الساعة 00:38