عن «التجمع الديمقراطي» .. شيء من التاريخ (1-2)
مدار الساعة ـ نشر في 2018/12/29 الساعة 00:03
يعيدني الإعلان عن التقاء خمسة فصائل فلسطينية يسارية تحت مظلة ما أطلق عليه «التجمع الديمقراطي»، خمسة وثلاثين عاماً للوراء، عندما جرت أول محاولة جدية لتشكيل قطب يساري فلسطيني موحد، في إطار ما عرف في حينه باسم «التحالف الديمقراطي» ... ثلاثة فصائل من الفصائل الخمسة المنضوية في إطار «التجمع» كانت حاضرة في تجربة «التحالف»، بل ويمكن القول أنها كانت «كل ذاك التحالف»، وأعني بها الجبهتين الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين، ومعهما حزب الشعب الفلسطيني الذي كان في حينه ما زال يحمل اسم «الحزب الشيوعي الفلسطيني» ... أما الفصيلان الآخران، فهما بمثابة انشقاقين عن الفصائل الأم، المبادرة الوطنية التي تشكلت في البدء كانشقاق عن الحزب الشيوعي الفلسطيني، وحركة «فدا» وهي انشقاق عن الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وقع في مختتم العام 1990.
«التجمع» اليوم، كما التحالف بالأمس، يرفع لواء القطب الثالث، الذي يسعى في إنقاذ منظمة التحرير والحركة الوطنية من ثنائية قاتلة ومميتة: حركة فتح، أو القيادة اليمينية المتنفذة كما كانت تسمى في ذاك الوقت، وحركة حماس اليوم، التي حلت محل المنشقين عن حركة فتح (الانتفاضة) ومعها الجبهة الشعبية – القيادة العامة والصاعقة، وفصائل أخرى أقل أهمية، اشتركت جميعها في كونها موالية لدمشق ومحسوبة عليها، وتعمل على خلق أطر وبدائل منافسة لمنظمة التحرير ومزاحمة لها.
«التجمع» اليوم، كما «التحالف» قبل أزيد من ثلث قرن، يتحدث عن «منعطف أخطر» تمر به القضية الفلسطينية المطروحة للتصفية، على يد «زمرة عرفات - الوزير» بالأمس، أو على أيدي السلطة والرئاسة وعباس اليوم ... وفي كل الحالات والمراحل لمجابهة الحلول والتصفوية ... صفقة القرن اليوم، ومؤامرة «فاس» وبوابتي عمان والقاهرة للحلول الاستسلامية و»وثيقة بسام أبو شريف» بالأمس.
أذكر، ومن موقع المنخرط في جهود بناء هذا التحالف وصياغة وثائقه التأسيسية، تفاصيل تلك المحاولة وما صاحبها من آمال عراض ورهانات كبرى، والمفارقة أن اقتراح تكليفي إعداد «وثيقة إشهار التحالف» قد جاء من «الديمقراطية» وليس من «الشعبية»، والسبب أنني كنت قبلها بأيام قلائل قد نشرت مقالاً مطولاً في الهدف، تحدثت فيه عن ظاهرة «البونابرتية» في الساحة الفلسطينية، متأسياً بكتاب كارل ماركس «الثامن عشر من برومير لويس بونابرت»، وفي ذاك المقال، تناولت «جدل الحزب والطبقة» و»الجماهير والزعامة»، في محاولة لفهم ظاهرة العرفاتية مطلقة الصلاحيات في العمل الوطني الفلسطيني، وقد أعجب ذلك المقال، رفاقا من قيادة «الديمقراطية» بأكثر مما أثار اهتمام رفاقنا في المكتب السياسي للجبهة الشعبية.
تلك التجربة، وما صاحبها من احتكاك كثيف وعن كثب، بقيادات الفصائل الثلاثة، ومعها جبهة التحرير الفلسطينية، التي جاءت من خارج قماشة اليسار الفلسطيني، وكانشقاق عن «القيادة العامة» 1976، ولّدت لدي يقين لم يتزعزع حتى يومنا هذا، بإن خلافات اليسار في معظمها، ذات طبيعة شخصية، وتدور في الأساس حول الزعامة والسلطة والتمثيل والهيمنة، بالرغم من أن ما يوحدها سياسياً وفكريا، أكبر بكثير مما يفرقها.
أدركت أن سلوك الراحل جورج حبش ومواقفه، ظلت محكومة بتأثير قطبين اثنين: الأول، ياسر عرفات الذي صار منذ العام 1969 ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، وهذا ما لم يرق للشعبية ولا للحكيم، ومن موقع المنافسة الندية ... حبش وإن كان يفضل الحفاظ على الائتلاف مع فتح في إطار المنظمة، إلا أنه ظل على الدوام متوجساً من عرفات ونزعته للهيمنة والتفرد والاستئثار، مؤمناً بحاجة الجبهة لمركز عربي تتكئ عليه، فكانت ليبيا حيناً والعراق حيناً آخر، وسوريا في بعض الأوقات، واليمن الجنوبي دائماً ... المسألة هنا لا تتصل فقط بمقتضيات الصراع مع إسرائيل ولا بقومية المعركة معها فحسب، بل وبضرورات «حفظ التوازن» في الصراع الداخلي مع «القيادة اليمينية المتنفذة».
أما القطب الثاني، فكان نايف حواتمة، وتشاء الصدف أن يقود الرجل انشقاقاً يسارياً عن الجبهة الشعبية في العام 1969 أيضاً، ليدخل في منافسة مع الجبهة الأم، حول من يمثل اليسار الفلسطيني، ومن صاحب الرهان الأصوب في الانتقال بحركة القوميين العرب من ضفاف الفكر القومي إلى شواطئ الماركسية اللينينية ... راهن «الحكيم» على تحوّل الجبهة، وجادل حواتمة باستحالة الهدف واستعجل الانشقاق بمجموعة يسارية في الثاني والعشرين من شباط / فبراير 1969 معلناً تأسيس الجبهة الديمقراطية.... غَذَّ حواتمة الخطى مسرعاً صوب موسكو والحركة الشيوعية العربية والمعسكر الاشتراكي، وخطت الشعبية متثاقلة على هذا الطريق، وقبل أن يتم كل منهما مشوار تحوّله إلى حزب ماركسي – لينيني، كان ميخائيل غورباتشوف، يشحذ سلاحي «البيريسترويكا» و»الغلاسنوست» لتفكيك الاتحاد السوفياتي وتعجيل انهيار المعسكر الاشتراكي والحركة الشيوعية العالمية.
سيغادر جورج حبش موقع القيادة في الجبهة الشعبية بفعل عامل السن والمرض، من دون أن تغادر الجبهة الشعبية مراوحتها بين «الوحدة والصراع» مع المنظمة وفتح من جهة، والجبة الديمقراطية من جهة ثانية، وسيحتفي حواتمة بعد أقل من شهرين بالذكرى الخمسين لتوليه منصب الأمين العام للجبهة الديمقراطية، ليكون الثاني على الساحة الفلسطينية كصاحب أطول ولاية يقضيها أمين عام فصيل فلسطيني على رأس عمله، (أحمد جبريل يحتل الموقع الأول، بولاية زادت عن 51 سنة) من دون أن يتخلى عن رهان عمره في الموقع الأول يسارياً والثاني وطيناً، أو في إطار منظمة التحرير بالأحرى، على الرغم من مرور مياه كثيرة في أنهار المنطقة... وإلى يوم غد. الدستور
«التجمع» اليوم، كما التحالف بالأمس، يرفع لواء القطب الثالث، الذي يسعى في إنقاذ منظمة التحرير والحركة الوطنية من ثنائية قاتلة ومميتة: حركة فتح، أو القيادة اليمينية المتنفذة كما كانت تسمى في ذاك الوقت، وحركة حماس اليوم، التي حلت محل المنشقين عن حركة فتح (الانتفاضة) ومعها الجبهة الشعبية – القيادة العامة والصاعقة، وفصائل أخرى أقل أهمية، اشتركت جميعها في كونها موالية لدمشق ومحسوبة عليها، وتعمل على خلق أطر وبدائل منافسة لمنظمة التحرير ومزاحمة لها.
«التجمع» اليوم، كما «التحالف» قبل أزيد من ثلث قرن، يتحدث عن «منعطف أخطر» تمر به القضية الفلسطينية المطروحة للتصفية، على يد «زمرة عرفات - الوزير» بالأمس، أو على أيدي السلطة والرئاسة وعباس اليوم ... وفي كل الحالات والمراحل لمجابهة الحلول والتصفوية ... صفقة القرن اليوم، ومؤامرة «فاس» وبوابتي عمان والقاهرة للحلول الاستسلامية و»وثيقة بسام أبو شريف» بالأمس.
أذكر، ومن موقع المنخرط في جهود بناء هذا التحالف وصياغة وثائقه التأسيسية، تفاصيل تلك المحاولة وما صاحبها من آمال عراض ورهانات كبرى، والمفارقة أن اقتراح تكليفي إعداد «وثيقة إشهار التحالف» قد جاء من «الديمقراطية» وليس من «الشعبية»، والسبب أنني كنت قبلها بأيام قلائل قد نشرت مقالاً مطولاً في الهدف، تحدثت فيه عن ظاهرة «البونابرتية» في الساحة الفلسطينية، متأسياً بكتاب كارل ماركس «الثامن عشر من برومير لويس بونابرت»، وفي ذاك المقال، تناولت «جدل الحزب والطبقة» و»الجماهير والزعامة»، في محاولة لفهم ظاهرة العرفاتية مطلقة الصلاحيات في العمل الوطني الفلسطيني، وقد أعجب ذلك المقال، رفاقا من قيادة «الديمقراطية» بأكثر مما أثار اهتمام رفاقنا في المكتب السياسي للجبهة الشعبية.
تلك التجربة، وما صاحبها من احتكاك كثيف وعن كثب، بقيادات الفصائل الثلاثة، ومعها جبهة التحرير الفلسطينية، التي جاءت من خارج قماشة اليسار الفلسطيني، وكانشقاق عن «القيادة العامة» 1976، ولّدت لدي يقين لم يتزعزع حتى يومنا هذا، بإن خلافات اليسار في معظمها، ذات طبيعة شخصية، وتدور في الأساس حول الزعامة والسلطة والتمثيل والهيمنة، بالرغم من أن ما يوحدها سياسياً وفكريا، أكبر بكثير مما يفرقها.
أدركت أن سلوك الراحل جورج حبش ومواقفه، ظلت محكومة بتأثير قطبين اثنين: الأول، ياسر عرفات الذي صار منذ العام 1969 ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، وهذا ما لم يرق للشعبية ولا للحكيم، ومن موقع المنافسة الندية ... حبش وإن كان يفضل الحفاظ على الائتلاف مع فتح في إطار المنظمة، إلا أنه ظل على الدوام متوجساً من عرفات ونزعته للهيمنة والتفرد والاستئثار، مؤمناً بحاجة الجبهة لمركز عربي تتكئ عليه، فكانت ليبيا حيناً والعراق حيناً آخر، وسوريا في بعض الأوقات، واليمن الجنوبي دائماً ... المسألة هنا لا تتصل فقط بمقتضيات الصراع مع إسرائيل ولا بقومية المعركة معها فحسب، بل وبضرورات «حفظ التوازن» في الصراع الداخلي مع «القيادة اليمينية المتنفذة».
أما القطب الثاني، فكان نايف حواتمة، وتشاء الصدف أن يقود الرجل انشقاقاً يسارياً عن الجبهة الشعبية في العام 1969 أيضاً، ليدخل في منافسة مع الجبهة الأم، حول من يمثل اليسار الفلسطيني، ومن صاحب الرهان الأصوب في الانتقال بحركة القوميين العرب من ضفاف الفكر القومي إلى شواطئ الماركسية اللينينية ... راهن «الحكيم» على تحوّل الجبهة، وجادل حواتمة باستحالة الهدف واستعجل الانشقاق بمجموعة يسارية في الثاني والعشرين من شباط / فبراير 1969 معلناً تأسيس الجبهة الديمقراطية.... غَذَّ حواتمة الخطى مسرعاً صوب موسكو والحركة الشيوعية العربية والمعسكر الاشتراكي، وخطت الشعبية متثاقلة على هذا الطريق، وقبل أن يتم كل منهما مشوار تحوّله إلى حزب ماركسي – لينيني، كان ميخائيل غورباتشوف، يشحذ سلاحي «البيريسترويكا» و»الغلاسنوست» لتفكيك الاتحاد السوفياتي وتعجيل انهيار المعسكر الاشتراكي والحركة الشيوعية العالمية.
سيغادر جورج حبش موقع القيادة في الجبهة الشعبية بفعل عامل السن والمرض، من دون أن تغادر الجبهة الشعبية مراوحتها بين «الوحدة والصراع» مع المنظمة وفتح من جهة، والجبة الديمقراطية من جهة ثانية، وسيحتفي حواتمة بعد أقل من شهرين بالذكرى الخمسين لتوليه منصب الأمين العام للجبهة الديمقراطية، ليكون الثاني على الساحة الفلسطينية كصاحب أطول ولاية يقضيها أمين عام فصيل فلسطيني على رأس عمله، (أحمد جبريل يحتل الموقع الأول، بولاية زادت عن 51 سنة) من دون أن يتخلى عن رهان عمره في الموقع الأول يسارياً والثاني وطيناً، أو في إطار منظمة التحرير بالأحرى، على الرغم من مرور مياه كثيرة في أنهار المنطقة... وإلى يوم غد. الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2018/12/29 الساعة 00:03