كتلة تاريخية بهدف واحد فقط..

مدار الساعة ـ نشر في 2018/12/27 الساعة 02:07
أدرك -تماماً- أن الصراع على الماضي «والتلاوم» حوله، سيضيّع من بين أيدينا فرصة التفكير بالحاضر والاستعداد للمستقبل، ولهذا سأكرر ما قلته في اكثر من مناسبة : لكي نتجاوز حلبة الصراع على الماضي لا بد أن نبدأ على الفور بالتوافق على بناء « كتلة تاريخية « تجمع الفاعلين في المجال الوطني بكافة أطيافهم وتياراتهم السياسية والاجتماعية للتوافق على هدف واحد، باعتباره «المفتاح» الذي سيقود الى ترتيب أهداف اخرى واضحة ومحددة تقودنا الى الخروج من ازمتنا « المركبة والمعقدة ( كما وصفها تقرير حالة البلاد الذي اصدره المجلس الاقتصادي والاجتماعي مؤخرا ) .
اذا سألتني عن « الهدف المفتاح « سأجيبك على الفور : دولة عادلة ثم نضع (نقطة)، والعدل هنا متعلق بسيادة القانون، ولا يمكن لأي قانون ان يحظى بالعدالة والسيادة الاّ اذا كان افرازاً للديمقراطية الحقيقية التي تضمن مسألتين: احداهما ان يتولى الناس ادارة شؤونهم من خلال ممثلين يختارونهم، ومؤسسات يشاركون فيها على اساس المواطنة التي تقرر لهم المساواة في الحقوق والواجبات، اما المسألة الثانية فهي ذات بعد اخلاقي، حيث لابدّ ان تستند هذه الديمقراطية لمرجعية اخلاقية ترقي بسلوك الناس وتهذب طباعهم، وهذه المرجعية هي روح الديمقراطية التي تحررها من صفتها الآلية وتسمو بها فوق المرجعات المختلفة، وتستند المرجعية الاخلاقية هنا الى مشتركات المجتمع التي تتوافق عليها اغلبيتهم على اساس احترام العقائد والافكار والنظام العام.
بناء الكتلة التاريخية هنا، ليس بدعة، فقد سبق للإيطاليين أن استلهموا الفكرة من طروحات «جرامشي» ونجحوا في تطبيقها، كما فعلت ذلك اكثر من 15 دولة في العالم عاشت تجارب قريبة من تجربتنا السياسية ، واخر من جرب ذلك إخواننا في تونس، حين اعتمدوا «الترويكا» لعبور المرحلة الانتقالية نحو «شراكة» ديمقراطية، دمجت معظم القوى في العملية السياسية وجنبت تونس ما انتهت اليها الثورات العربية في بلدان اخرى من حروب وصراعات دامية.
إذا اتفقنا على أن أخطر ما يواجه مجتمعنا هو «الانقسام» نتيجة العبث في مكوناته أو استقواءات بعض «النخب» فيه على «المجال العام»، أو نتيجة غياب التوافق على المفاهيم والقيم الكبرى التي تحدد هويته ومصالحه، وتوظيف «فزاعاتها» لاستمرار الهواجس أو تمرير بعض الأجندات، إذا اتفقنا على مثل هذا التشخيص فإن بناء الكتلة التاريخية الأردنية كرافعة أساسية لضبط إيقاع حركة المجتمع والدولة، هو الخطوة الأولى، والضرورية أيضاً، لمواجهة الأخطار التي تهدد بلدنا، لا فيما يتعلق بما يجري على صعيد التسوية وصفقة القرن، وإنما أيضاً بما تعرضنا له في الداخل من ازمات واحتقانات ، يمكن ان تزعزع جبهتنا الداخلية ، وتعزز فجوة الثقة بين الدولة والمجتمع ، وهي اخطر ما يمكن ان نصل اليه.
هل لدينا كتلة تاريخية ..؟ الاجابة : نعم لدينا كتلة ولدينا لحظة تاريخيّه ايضا ، تاريخيتها هنا ليست في أهدافها فقط وانما في «المرحلة» التي نسشعر فيها الخطر ونحتاج لوفاق وطني لتجاوزها بامان، اما «الكتلة» فموجودة وان كانت منقسمة على نفسها، ويمكن هنا الاشارة الى خليط من التيارات التي تمثل اليمين والوسط واليسار، مثل الاسلاميين باتجاهاتهم المختلفة، والليبرالين الوطنيين، واليسارين القوميين، والقوى النقابية والعمالية والاجتماعية كالعشائر والوجهاء في المخيمات والاطراف والمتقاعدين العسكريين وغيرهم، صحيح ان بعض هذه القوى لم يشكل لنفسه «إطاراً» واضحا، ولم ينخرط بشكل تنظيمي في العمل السياسي، لكن الصحيح ايضاً ان «الكتلة» المقصودة ليست خليطا من الأحزاب بل هي نسيج من القوى التي لها فعل في المجتمع أوالتي ترغب وتستطيع ممارسة ذلك الفعل، وهي تشمل جميع الأطراف،ويمكن ان تنطلق نواتها من القوى الفاعلة في العملية السياسيّة والاجتماعية والاقتصادية ، كما يمكن ان تنتزع لها وزنا سياسيا اذا ما توافقت على مشروع محدد يعكس «المشتركات» الوطنية ويحظى بالتوافق العام.
الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2018/12/27 الساعة 02:07