حرس قديم بحلل جديدة
مدار الساعة ـ نشر في 2018/12/25 الساعة 00:35
النخبة السياسية الأردنية تعاني من حرج كبير وارتباك أكبر فهي التي تملك خبرة عميقة ومميزة في ميادين الإدارة والسياسة والثقافة والاقتصاد والتعامل مع المحيط العربي، كما أنها تعرف أوجاع الناس وغير غريبة عن تاريخ الدولة وإمكاناتها. الأزمة التي تواجهها النخبة مركبة ففي حين يتساءل البعض أين هم رجال الدولة الذين أكلوا خيراتها؟ يلمس هؤلاء الرجال أن لا أحد يريد أن يستمع لهم أو يرحب في وصفاتهم. الشارع يعتبرهم جزءا من المشكلة وسببا في تفاقهما والدولة ترى في مقترحاتهم تعطيلا لمسيرتها الإصلاحية والجميع ينعتهم “بالحرس القديم” في محاولة لعزلهم وتحييدهم والتقليل من أهمية وتأثير دورهم. فمن أين جاء المفهوم ؟ وما الذي يحدث على مسرح حياتنا السياسية؟ وهل يمكن أن يلعب قدامى رجالات البلاد دورا في حل مشكلاتنا؟
بدأ استخدام مفردة الحرس القديم في الإشارة إلى إحدى تشكيلات الحرس الإمبراطوري التي أوجدها نابليون في القرن الثامن عشر. أفراد الحرس القديم كانوا يختارون بعناية فائقة فلا ينضم إلى هذا التشكيل إلا الأشخاص الأقوياء والأصحاء والأكثر وسامة. كانوا الأقرب إلى نابليون والأكثر حرية ودلالا ومن حقهم أن يتذمروا ويشكوا من الروتين العسكري أو سوء المعاملة في حين لا يحق لغيرهم من التشكيلات القيام بذلك. في مطلع القرن التاسع عشر عرف التشكيل في فرنسا بتشكيل المتذمرين ومع ذلك كان الفرنسيون يكنون لهم قدرا كبيرا من الاحترام.
اليوم يطلق الأردنيون مصطلح الحرس القديم على الرجال والنساء الذين تقاعدوا بعد خدمات طويلة في سلك السياسة او الإدارة والمواقع القيادية في ميادين عديدة. الاستخدام الأردني للاصطلاح يحمل دلالات ومضامين اتهامية يجري تغذيتها من قبل من يتولون المسؤولية او من يدور في فلكهم من المنتفعين. في مثل هذا الاستخدام انفاس اقصائية تشير إلى وسم هؤلاء البناة والقادة بانتهاء الصلاحية واعتبارهم مسؤولين عن التأخر والفشل والتأخير الذي عانت منه الخطط والسياسات والبرامج.
لسنوات طويلة كان التقاعد أو انتهاء الخدمة الفعلية للرؤساء والوزراء والاعيان لا ينتهي ولا يتوقف بحكم قلة اعضاء الطبقة السياسية والإدارية فينتقل الشخص من موقع الوزير إلى العين إلى النائب والسفير بحيث تتبدل المواقع لاعضاء النخبة دون أن يخرجوا من دائرة الفعل السياسي أو المشاركة الاسمية في صناعة القرار. اليوم ومع وجود أكثر من 16 رئيس حكومة سابق على قيد الحياة ومئات الوزراء السابقين ممن افرزتهم سياسات التوزير التي طالت أكثر من 434 شخصية خلال العقدين الأخيرين ومئات الجنرالات والاعيان والنواب فمن الصعب استيعاب كل هذه الاعداد إلى جانب الافواج الجديدة من أعضاء النخب عبر سلالم المال والجندية والتعليم والصلات الاخرى.
الشارع الأردني والصالونات تشهد حراكا وحوارا متنوعا ومختلفا عما اعتدنا عليه في الأشهر والسنوات السابقة. إلى جانب الاطياف الشبابية والجهوية والايديولوجية التي تلتقي في محيط الدوار أسبوعيا انتقل العشرات من أعضاء النخب السياسية الإدارية والحزبية والفكرية من حالة الوشوشة والهمس إلى مستوى التدارس والحوار حول طبيعة وابعاد الازمة الأردنية وسبل الخروج منها وتجاوزها. الاجندة التي التف حولها الاعضاء محافظة في طبيعتها فهي تؤمن في الثوابت وتعترف بالإنجازات وتؤكد على الولاء لكنها ترغب في وقف التدهور.
على النخبة واعضائها أن يقوموا بادوارهم في اغناء المشهد السياسي وتخصيب الأفكار المطروحة وتطعيمها بخبراتهم ومعارفهم فالانسحاب والإقصاء والتشظي لا يخدم المصلحة العامة. نتوقع أن نستمع إلى مواقف النخبة ومقترحاتها عند كل مفصل وخطوة فهم أصحاب الخبرة والفكر والتجربة التي قد تضيف الكثير لما يجري على الساحة الأردنية.
الاتهام والتشكيك لا يتوقف بالانسحاب والتنحي بل بتراكم الاسهامات والمشاركة الفاعلة خصوصا في هذا الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى طاقة وخبرة ومواقف كل ابنائها. الغد
مدار الساعة ـ نشر في 2018/12/25 الساعة 00:35