المعلم علي صبح.. يستحق أن يكون وزيرا للتربية

مدار الساعة ـ نشر في 2018/12/23 الساعة 10:37
يعمل المعلم علي صبح ،مدرسا في مدرسة النظيف في العاصمة عمان،وهو مدرس بسيط ومطحون ،بحكم أن راتبه المتواضع لا يواكب قفزات غول الأسعار السريعة و لا يصمد أمام فنون الحكومة في فرض الضرائب على الفقراء والمسحوقين ،وإستثناء الطبقة المتنفذة من هذه الضرائب ،وهو بالتالي شأنه شأن طبقة المدرسين التي لا تحظى بعطف الحكومات المتعاقبة ،رغم أن دوره أساسي في الحياة، وكاد بفضل مهنته أن يكون رسولا،لكن حكوماتنا المتعاقبة جعلت منه غير ذلك ،بتحجيمه وعدم مساندته لتمكينه من أداء دوره المهم والمميز ،فهو عامود التغيير الإيجابي وشرارة النهضة التي تقدح نورا وعنفوانا. لا ينتمي المعلم علي صبح لعائلة كبيرة، ولا يندرج ضمن قائمة المتنفذين العشرة البررة، الذين تتداول علينا سلالتهم منذ تأسيس الإمارة في عشرينيات القرن المنصرم، وتتقلد أعلى المناصب ، ،ويحصلون على أفضل الإمتيازات، ليس لشيء وإنما لأنهم أبناء وأحفاد العشرة البررة فقط. مع ذلك أثبت المعلم علي صبح أنه أعلى من مرتبة الجميع، بأخلاقه العالية وقيمته الإنسانية المضافة ومهنيته العالية ومبادراته السامية التي حولت المدرسة من مكان طارد للطلاب إلى مكان جاذب ،وسينعكس ما قام به على أداء الطلبة والمدرسين الآخرين ،وفي حال كان لدينا وزارة تربية يهمها ما يجري في المدارس ،فإنها بإسنادها لمن هم على شاكلة المعلم علي صبح ،ستعمق التجربة وتعززها ،ولكن ليس على حساب المعلم نفسه ،بل تقتطع شيئا من صناديقها. ما قام به المعلم علي صبح في مدرسة النظيف يوم الخميس الماطر الماضي يستحق التكريم والإشادة،ويستحق أن يكون معلم العام ،وأكثر من ذلك فإنه يستحق أن يكون وزيرا للتربية ،لأن العمل الوزاري ليس حكرا على أبناء الذوات، بل هو للمنتمين وأصحاب المبادرات الإيجابية، الذين يفهمون الإنتماء والولاء على أنه عطاء قبل أن يكون أخذ وحصول على مكتسبات لا يستحقونها أصلا. فوجئ المعلم علي صبح يوم الخميس الماطر الماضي بتغيب معظم طلابه عن المدرسة وحضور خمسة فقط،ولم يقل بينه وبين نفسه "بركة يا جامع "،ولم يفرح لغياب الطلبة عن حصة الدرس ،بل أكبر في الخمسة الحضور كثيرا وأراد ان يكافئهم ،ليضرب عصفورين بحجر واحد ،الأول مكافأة وتقدير الحاضرين الخمسة، وإرسال رسالة للمتغيبين أن غيابهم عن المدرسة في ذلك اليوم حرمهم من مبادرته الطيبة، التي إن دلت على شيء فإنما تدل على طيب أخلاقه وأصله وكرمه ،ومعدن البيت الذي تربى فيه. ذهب المعلم علي صبح ومشى تحت المطر وإشترى وجبات طعام لذيذة وكنافة للطلبة الخمسة الحضور ،وتنعموا بها ،ومن المؤكد أنها تركت في أنفسهم أثرا عظيما سينعكس لا حقا على مسلكيتهم في المدرسة وعلى جدهم وإجتهادهم إكراما للمعلم الذي أكرمهم. اعطى المعلم علي صبح من خلال مبادرته الطيبة دروسا عدة لجميع أركان العملية التربوية في المدرسة من معلمين وطلاب وإدراة ،بأنه يمكن لنا تحويل المدرسة إلى مكان جاذب ،الأمر الذي ينعكس إيجابا على الطلاب وعلى المجتمع وعلى وزارة التربية نفسها ،إذ أن مثل تلك المبادرات ستخفف كثيرا من ظواهر العنف في المدارس والتسيب والإهمال وكذلك ظاهرة ضعف التحصيل العلمي ،وأكير من ذلك فإن مبادرة المعلم على صبح ستعمق إحترام الطلبة للمدرسين بعد أن شهدت هذه العلاقة جفاء وصل حد التصادم. لا شك أن هذه المبادرة أثبتت بالوجه القطعي أن المعلم علي صبح من مدرسة النظيف هو قيمة إنسانية وتربوية مضافة عز مثيلها في هذا الزمن ،وعليه فإن الكرة الآن في ملعب وزارة التربية أن تنظر في طريقة تكريمه ليس في مساحة مدرسته فقط ،بل ضمن أرجاء المملكة ،كي يكون نبراسا للجميع ،فكم نحن بحاجة لترميم العلاقة ما بين الطالب والمعلم نوبين المدرسة والمجتمع ،وهذه الرسالة برسم دولة الرئيس د.عمر الرزاز الذي شغل سابقا منصب وزير التربية والتعليم وأحدث فرقا.
مدار الساعة ـ نشر في 2018/12/23 الساعة 10:37