معرفة الإنسان لذاته هي السبيل لحريته

مدار الساعة ـ نشر في 2018/12/19 الساعة 00:37

يعيش الإنسان بقدرته وإرادته وعقله وعلمه، ويسخر كلّ ذلك لتحقيق مصالحه وشهواته ولذاته، بغض الطرف عن سائر الناس. وهذا ما يوضّح السلوك العدواني غير المنضبط عند فريق كبير من البشر، حيث يلتهم القوي منهم الضعيف، وتدور رحى الحروب الطاحنة بينهم، بلا شفقة أو رحمة، حيث تُهدم الدور، وتقتل النساء والأطفال، ويموت المحاربون والمدنيّون دون تمييز. إن قدرة الإنسان وعلمه وعقله توهمه أنه أصبح إلهًا لهذا الكون، قادرا عليه، مالكا له، يتصرف فيه حسب إرادته ومشيئته، مبررا كل ما سبق بحريته وقدرته على اختيار وتحديد مصيره ومصير الآخرين بنفسه. إنها العنجهية والفرعنة التي يتصف بها الإنسان عندما يغيب بسكرة العلم والقوة عن حقيقة ذاته، بحيث يظن نفسه حرا وهو عبد لشهواته في القوة والسيطرة.
ليس الإنسان في حقيقته إلا مخلوقا ضعيفا، مهما عظُمت قوته، وكبُرت سطوته، ألمٌ بسِنّه ينسيه لذة النوم، وجرح بأصبعه يجعله يتألم ويصيح ويستغيث، كم هو ضعيف هذا الإنسان المتعجرف المتفرعن! وعندما يعرف الإنسان هذه الحقيقة التي لا مفرّ منها، وهي أنه مخلوق لخالق عظيم، فما عليه إلا أن يرفع رايات العبودية والانقياد لهذا الخالق المبدع العظيم.
ومن أبرز علامات العبودية لله تعالى أن يتحرر الإنسان من عبوديته لذاته وشهواته ولذّاته وأطماعه، وأن يسخر طاقاته وعلمه وقدرته وعقله لما فيه خير البشرية كلها؛ لأنها كلها مخلوقة مثله للخالق العظيم، وتدين مثله بالعبودية لله الواحد الأحد. فمعرفة الإنسان لحقيقته، وهي كونه عبدا لله تعالى تجعله حرا من كل شيء في هذا الكون، ومحسنا لكل شيء فيه أيضا؛ لأنه يعلم أن الحرية التي منحها الله له، وحباه إياها، إنما هي مضبوطة بالمسؤولية، مسؤولية عمارة الكون لا القضاء عليه.
إن الالتزام بالتعاليم الربانية، إنما تقيّد رغبة الشرّ في هذا الإنسان، وتمنعه من السير وراءها، لكي تكون حريته إيجابية بناءة، وليست على حساب أحد. إنّ تقييد تصرفات الإنسان ببعض التعاليم الربانية إنما هي قيود تصبّ في مصلحة الفرد والمجتمع الإنساني كله، حيث تمنع الفرد من أن ينقلب إلى وحش كاسر، ليعيش المجتمع الإنساني في سلام ووئام، فبعض القيود وجدت لتحدّ من أنانية الإنسان وأثرته وجموحه، على أساس من منع الضرر ورفعه، وتحقيق العدالة والمساواة بين الناس، فكانت هذه التعاليم سبيلا إلى الحرية الحقيقية لبني البشر جميعا.

الدستور

مدار الساعة ـ نشر في 2018/12/19 الساعة 00:37