موائد الأردنيين تنكمش: الفقير يقتات بالفتات والكريما خارج النص
مدار الساعة - يسمع ابو علي نقرات خفيفة على باب شقته قبيل وجبة الغداء، فينفتح الباب عن طفلة تحمل "رزمة" من "اغطية المخدات" : يا عمي اشتريها حتى نشتري خبزا وحمصا للغداء! يخف الرجل ليملأ اكياسا مما تيسر من الخضروات والفواكه، اضافة الى مبلغ صغير فيناولها للطفلة المنتظرة.
يسرد "ابو علي" قصة الطفلة، وهو يعرف ان في الجوار من يعيشون في عالم "الكريما والمخمل" الذي لا رابط يربطه بمجتمع "طفلة المخدات" التي توارت فرحة بما جادت به السماء. في المقابل كانت إيمان الجمل تهم بالخروج من ملحمة في شارع مكة بعمّان وقد اشترت كيلو لحم "أورجانيك" بنحو 300 دينار، موضحة ان المنتجات الطبيعية تمتاز بصحيتها، وهي تدرك ان هذا السعر صاعق لغالبية الناس.
اما محمود الشطرات من مخيم البقعة فيقول، إن اللحم والدجاج لا يزور مائدتهم إلا أياما معدودات في الشهر. حالات متابينة رصدتها وكالة الأنباء الاردنية تبين حجم الفارق بين موائد الأردنيين، التي تعرضت غالبيتها للانكماش الإجباري، خصوصا لدى الطبقات الوسطى والفقيرة والمعدمة، التي لا تستطيع شراء كيلو الدجاج الذي يصل الى دينار ويزيد.
محمود الشطرات يأتي للعمل في عمّان من مخيم البقعة يكرر كلمة "الحمد لله مستورة"، ويؤكد ان مائدة الأسرة لديهم تختلف بين "حواضر" المنزل وبين "قلاية البندورة" و "الفاصولياء" وقليل من اللحم والدواجن موزعة على أيام الشهر.
لا ينفي محمود التقشف الذي تمارسه الأسرة الأردنية خصوصا في السنوات الثلاث الأخيرة على موائدها، فرب الأسرة معيل لثمانية أشخاص، ويعمل سائق حافلة مدرسية، مثقل بالالتزامات يكون فيها الانفاق على المسكن والماء والكهرباء والنقل أولوية على حساب الغذاء. على مقربة من جامعة العلوم التطبيقية، قال احد عامل الوطن، ان مائدته "تشتاق" الى الأصناف المتنوعة، وأطفاله الثلاثة يلحون عليه الطلب ولكنه مع كثرة الالتزامات وقلة الإمكانات يختار الأصناف الأقل سعرا وحتى لا يدقق على النوعية. وبلغت قيمة المعونات المالية التي قدمها صندوق المعونة الوطنية للمنتفعين من برامجه المختلفة نحو 8 ملايين و300 ألف دينار الشهر الماضي.
وكانت وزيرة التنمية الاجتماعية بسمة إسحاقات قد أعلنت، ان عدد الأسر المستفيدة حاليًا من صندوق المعونة الوطنية بلغ 100 ألف أسرة، مؤكدة أن الوزارة تسعى لتوسيع شبكة الأمان الاجتماعي لتشمل 85 ألف أسرة مستحقة إضافية خلال الأعوام الثلاثة القادمة، مشيرة إلى أن موازنة صندوق المعونة الوطنية لعام 2019 ارتفعت بقيمة 30 مليون دينار لتصل إلى 131 مليونا.
أبو حمزة يقول ان "اللحم والدجاج على مائدتنا بشكل يومي، ولم تنكمش مائدتنا لاننا بوضع مالي جيد، لكنه يقول عندما تريد معرفة موائد البعض فكن حاضرا على توزيع مساعدات من قبل المحسنين، فإن هناك عائلات تعيش موائدها حالة من الفقر الموجع".
يكمل الحاج أبو حمزة، وهو يتمشى كل يوم رياضة صباحية، إن المائدة يجب أن تتنوع وان هناك وجبات صحية محددة لنمو الأطفال، الا ان كثيرين يفتقدون مثل هذا، فالأوضاع المالية هي ما تحدد ما نأكل وليس ما يتوجب علينا صحيا أكله". "مطحنة شرايط البيت" يصف الحاج أبو محمد وضعه كل شهر مع منزله، مؤكدا انه يملك النقود ولكن لم يعد يشتري كما في السابق، لان القادم مجهول والاوضاع الاقتصادية صعبة على الجميع.
أبو محمد يضيف" كنا نشتري البندورة بالبكسة ومثلها الخيار والبطاطا، أما اليوم فأشتريها بالكيلو وهناك من يشتريها بأقل من ذلك وبالمناسبات، وهذا الأمر انعكس على المائدة الأردنية وتسبب بغياب كثير من الأصناف عنها". الأرقام الرسمية تؤكد ما تحدث به أردنيون عن انكماش موائدهم وصعوبة التوسع في مكوناتها وهذه الأرقام تبين أوجه انفاق الأسر واهمية هذا الانفاق، وتشير هذه الأرقام إلى ان إعلى انفاق للأسر الأردنية كان على المسكن والمياه والكهرباء والغاز بنسبة 23.3 في المائة خلال العام 2017 و 2018، يليها انفاق الأسر على النقل بنسبة 17.2 في المائة، ثم اللحوم والدواجن بنسبة 4.7 في المائة، وآخرها التبغ والسجائر بنسبة 4.5 في المائة.
تنفق الأسر الأردنية أيضا وفق الأرقام الرسمية ما نسبته 3.4 في المائة على الحبوب ومنتجاتها والخبز، و 3.6 على الاجبان والبيض واللبن، و3.9 على الخضروات والبقول، و0.4 في المائة فقط على الأسماك ومنتجات البحر. تؤكد الأرقام أيضا ان 50 في المائة من الأسر الأردنية يقل انفاقها عن 10 آلاف دينار، وان 50 في المائة يزيد انفاقها عن ذلك، من بين هذه النسب 9 في المائة تنفق أقل من 5 الاف دينار سنويا. العاصمة عمّان سجلت أعلى متوسط لإنفاق الأسر الأردنية بمبلغ وصل الى 14417 دينارا، تلتها الزرقاء بمبلغ 11957 دينارا، وكانت محافظة الطفيلة جنوب الأردن أقل نسبة انفاق بمبلغ 8689 دينارا، حسب تقرير المؤشرات الرئيسية لإنفاق الأسر الأردنية الصادر عن دائرة الإحصاءات العامة للعام 2017-2018. --(بترا)