حرب واشنطن على ثلاثي أستانا - سوتشي
لا يكاد يمضي يوم واحد من دون أن توجه في موسكو أصابع الاتهام لواشنطن بالسعي لتقسيم سوريا، من خلال دعم إقامة كيان كردي مستقل، والاحتفاظ بوجود عسكري دائم في شمال شرق سوريا، والتوسع في تدريب وتجهيز قوى ومليشيات، عربية وكردية لهذه الغاية، مع ان موسكو، والحق يقال، كانت أول من دعم «فيدرالية» سوريا، وتقدم بدستور جديدة لهذا الغرض، وعلاقاتها بالحركة الكردية السورية، غير خافية على أحد.
ما يقلق موسكو حقاً، هي فكرة الوجود العسكري الأمريكي الدائم في المنطقة، وسعي واشنطن الذي لا يكل ولا يمل، لتقويض المكاسب التي حققتها السياسة الروسية في سوريا، حتى وإن تم ذلك على نحو متدرج، أو إن أفضى لتصعيد حدة التوتر و»حرب الوكالة» على بعض الجبهات المفتوحة في سوريا.
واشنطن التي قبلت على مضض، إتاحة فرصة لمسار أستانا – سوتشي لاستنفاذ فرصه في إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، لا تترك فرصة دون وضع العراقيل على طرقه ومساراته، آخرها «مهلة الإنذار الأخير» التي منحها الموفد الأمريكي جيمس جيفري للأطراف القائمة على هذا المسار لإنجاز «اللجنة الدستورية»، ملوحاً بالعودة إلى مسار جنيف الذي خرج من التداول ولم يعد يستذكره أحدٌ إلا في سياق المناكفة.
وإذا كانت تطورات الأزمة السورية، قد تخطت مرحلة «تجاهل» روسيا وإبعادها عن منصات الحل والتفاوض بشأنها، إلا أن واحدة من أولويات الموفد الأمريكي في سوريا، هي قطع الطريق على الدور الروسي المقرر في الأزمة السورية، وتفعيل مسار «المجموعة المصغرة»، التي تذكر بمجموعة أصدقاء سوريا... ودائماً من ضمن معادلة جديدة: لا حل في سوريا من دون روسيا، ولا حل بقيادتها.
ثلاثي أستانا، ومن باب «سدّ الذرائع» أنجز مهمة إعداد قوائم المرشحين لعضوية هذه اللجنة، وقبل موعد الإحاطة الأخيرة للموفد الأممي المرتحل ستيفان ديمستورا قبل استبداله بغير بدرسون، وقد ينجح مسعى الضامنين في حفز مسار سياسي لسوريا، وقد لا ينجح ... لكن الأهم بالنسبة لهذه الأطراف، هو ما تفعله واشنطن على الأرض لتقويض نفوذ كل طرف من أطراف هذا الثلاثي، وتفريغ المكتسبات التي حققها من مضامينها.
ففي الوقت الذي تُركت فيه لإسرائيل على ما يبدو، مهمة إضعاف واستنزاف النفوذ الإيراني في سوريا، سواء عبر العمليات الإسرائيلية المباشرة، أو من خلال الاحتكاك الحذر بأنفاق حزب الله في جنوب لبنان ... فإن تقويض النفوذ التركي في شمال سوريا قد ترك للاعب الكردي ممثلاً بقوات سوريا الديمقراطية، مدعومة بميليشيات عشائرية عربية انتعش الاهتمام بتمويلها وتدريبها مؤخراً، على خلفية تفاقم الخلافات بين تركيا وعدد من الدول، على خلفية ملفات عديدة.
تركيا، تدرك أن وحدتها الترابية وأمنها القومي، قد باتا في قلب دائرة الاستهداف الأمريكية، على الرغم من سيل التعهدات والوعود الأمريكية الذي لا ينقطع ... نفذ صبر تركيا على ما يبدو، في منبج ومناطق شرق الفرات، وهي وإن كانت تسعى في تفادي الانجرار لأي احتكاك مع القوات الأمريكية في هذه المناطق، إلا أنها قادرة على إشعال «حرب وكالة» ضد حلفاء الولايات المتحدة، وبالذات وحدات الحماية، وقد حشدت لهذه الغاية، فصائل سورية معارضة، جرى تجميعها على مقربة من الحدود في أعقاب سلسلة من المصالحات في الغوطة ودمشق ودرعا والقنيطرة.
خلاصة القول أن واشنطن المتهمة بأنها لا تمتلك سياسة خاصة بها لسوريا، تثبت يوماً إثر آخر، أنها مصممة على منع الآخرين من أن يكون لهم مثل هذه السياسة، حتى وإن تطلب ذلك، إبقاء بعض الجبهات مفتوحة، ميدانياً وسياسياً، واللعب حتى إشعار آخر، بملف اللاجئين وإعادة الأعمار. الدستور