هل تحرّك الحِراك ؟

مدار الساعة ـ نشر في 2017/02/22 الساعة 09:17
* عادل حواتمة

من المطمئن القول إن من يعارضون السياسات الحكومية برمتها؛ لا يخرجون عن المفهوم الواسع للمعارضة الوطنية من حيث مقبولية مسماها، وطبيعة منشأها وصيرورة فعلها، ومآل مخرجاتها. فمعنى الحراك لطيف ومحبب كما تنبئنا به معاجم اللغة، فهو مظهر من مظاهر النشاط؛ أي عكس السكون بمعنى ان حراكناً الأردني ليس مسستماً ولا ممنهجاً بالمفهوم الراديكالي؛ بل هو حراك عفوي إصلاحي محدد بسقوف زمنية وسيادية ومطلبية.

لن ادخل بتفاصيل مَعنية بسيكولوجيا الحراك الأردني، بقدر ما يمكن قوله عن بدء الحراك الحالي وسيناريو تمدده افقياً وعمودياً، وهل نحن بحاجة له الآن ؟ وما مبررات خروجه إلى الشارع ؟ وهل الخروج في هذا الوقت مفيد للمجتمع والدولة معاً ؟ وما هي الكلفة ؟ ومن المسؤول عن عاقبة تطور الأمور؟ لا سمح الله.

حتى يمكن للقارئ تحديد مكان كاتب المقال في ظل هذا الزحام، أقول بأنني لست مؤيداً للإجراءات الحكومية الأخيرة والتي طالت رفع أسعار العديد من الحاجات الضرورية للمواطن، وبنفس الوقت لست مع عودة الحراك وتمدده، وهنا أقول عودة الحراك وهذا ما يؤكد ما وسمته به آنفاً بأنه عفوي وآني ، وبمعنى أوضح أنا لا ادعم العامل المُحرك ولا ادعم المتحركين على الأقل في هذا الوقت بالذات؛ بقدر ما أنا معنيّ بغلق أي باب من الممكن ان يجلب لنا ريحاً سموماً حُسوما.

لعل نظرة ثاقبة ومتبصرة على الإقليم بمستجداته بعد قدوم ادارة أمريكية جديدة مُتحمّسة، والخوف من صعود وسيطرة اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية، وغياب الحسم أو تأخره سورياً وعراقياً؛ يدفعنا جميعاً إلى دراسة معمقة لقراراتنا وتحركاتنا في مرحلة التكوين قبل التكوير؛ فالعبرة يجب أن تكون للجميع دون ممارسة طرف ما لدور الحكمة والرؤية على الطرف الآخر؛ فالجميع شركاء في المغنم والمغرم. فالكتل البشرية المتحركة قابلة للتمدد من جهة والتنويع بالوسائل من جهة أخرى، في الوقت الذي يجب أن تبقى فيه كل الخيارات دستورية ووطنية وديمقراطية، فيما تظهر قدرة الحكومة جلية على خلق البديل وإطفاء الفتيل في المرحلة الجنينية التي يعيشها حراك السبت الجديد.

عودة الحراك من مدينة الكرك والتي تعافت بالأمس القريب، من ظلمة ألمت بقلعتها الشامخة شموخ أبنائها، نالت الحكومة النصيب الأكبر من تحمل مسؤولية الحادث، وإعلان مناطق ذات طبيعة حراكية استعدادها واستجابتها للمؤازرة بعد خروج رافضين لارتفاع الأسعار يعتبر بحد ذاته تطوراً ينبغي التعامل معه بحذر وحوار بتلازم لكلاهما غير منفصل. فمن الصعب التحكم بمسير الحراك إذا تدفق مستنداً إلى منطلقات الوطنية والرمزية للأشخاص والأماكن، فإذا كانت بعض القرارات الأخيرة قد حرّكت الحراك فالتراجع عنها او عن جزء منها على الأقل؛ كفيل بعودة انتظامه اجتماعياً وانتاجياً بعيداً عن الشارع.

أدرك حجم الضغوطات المُمارسة على الحكومة من قبل صندوق النقد الدولي وأخوته المُطالب بإزاحة الحكومة و الدولة من يمين اليسار إلى يسار اليمين، ولكني لا زلت مؤمن بقدرة الأردنيين في الحكومة وخارجها على التكيف مع الوضع الراهن وتجاوزه بأقل الخسائر، فالسياسي مطلوب منه الدبلوماسية وإجادة فن التفاوض، والامني مطلوب منه إظهار إمكانية تطور الحراك وعاقبته على الاستقرار والمحيط، والاقتصادي مطلوب منه ربط أثر الحراك الاجتماعي على تحقيق التنمية، والإعلامي مناط به دور جلل يتمخض بتوجيه النقد العقلاني، وتبيان الأمور من منظور وطني جامع يقوم على وحدة الحال والمآل، والابتعاد عن الإثارة والتضخيم، كما هو مطلوب من المواطن منح الوقت الكافي للحكومة لتنجز وعودها، في التنمية و تحقيق العدالة و تفعيل مبادئ الحاكمية الرشيدة.

الأردن الآن في غنىً عن عودة غير مضمونة لنهج تقليدي للحراك، فعملية تسخين الشارع وإلهابه غير مقبولة، ولا تقبل تبرير سوء التقدير. فالحكومة بما تستند إليه من مراكز دراسات لقياس نبض الشارع، وتحديد بوصلة اتجاهه، وطاقم وزاري ممن ثبتت كفاءتهم في أكثر من موقع، وخاصة ممن عملوا في مدرسة الهاشميين – وإلى جانب جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين - وتخلقوا بأخلاقهم ودرجوا على ديدنهم جدير بها أن تقدر الكُلفة الناجمة وغير المتوقعة عن القرار الاقتصادي المُتخذ، وضرورة التنبه إلى عدم اختزال الكلفة على الجانب الاقتصادي فقط، فهي لا شك وبكل أسف تشمل الجوانب السياسية والاجتماعية والأمنية.

adel.hawatmeh@gju.edu.jo
مدار الساعة ـ نشر في 2017/02/22 الساعة 09:17