العفو العام هدية ملكية ثمينة

مدار الساعة ـ نشر في 2018/12/12 الساعة 00:28

العفو فضيلة؛ ليس بالقول الجديد، لكنه حين يكون عاما، وبإرادة ملكية حكيمة، يصبح أكثر أهمية وأعمق تأثيرا، ويقدم الكثير من المعاني دون كلام، فالفئات التي تحتاجه ثم تتمتع به، تعيش مرحلة مفصلية في حيواتها..
المواطن الذي سقط في جرم ما، لظروف ما، ثم تم الحكم عليه من قبل القضاء الأردني، وشرع في دفع الضريبة العادلة عن الخطأ الذي ارتكبه، هو يدرك تماما بأنه يستحق العقوبة، وبغض النظر عن استعداده او عدمه لدفع الضريبة فهو يدفعها في دولة القانون، وحين يصدر قرارا ملكيا على هيئة مكرمة بعفو عام، يدرك هذا المواطن بأنه كتب له ولغيره كثيرين حياة جديدة، وليس من السهولة حتى عليه هو نفسه أن يصف مشاعره وفرحه بدقة ..فالسعادة حقيقية والتغيير في حياته أسطوري.
الإنسانية على وجه العموم، تمجد قيم التسامح وفضيلة العفو، وقيل فيها الكثير وبمختلف اللغات وفي كل الحضارات البشرية، والدول الراسخة الواثقة من دساتيرها وقوانينها وقراراتها لا تتأثر بقراراتها التسامحية التي تعف فيها عن الناس، فهي دول تستمد وجودها ودوامه من استقرار تشريعاتها واستقرار قيمها ومنظومات أخلاقها، حتى وإن كانت قراراتها بالعفو تجر إليها المزيد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية وربما الأمنية، فهي دول قادرة على انفاذ القوانين والعمل ضمن مبادئها وأخلاقها الراسخة.. فقرار الدولة الأردنية مثلا، إن هي اتخذته بشأن العفو العام، لا بد سيؤثر عليها اقتصاديا، حيث تتنازل الدولة طوعا عن حقوقها المالية والأخرى القانونية الواقعة في ذمم الناس، فهي تخسر عشرات وربما مئات الملايين المستحقة لها بموجب القانون، وهذا موقف يجب أن يحسب أولا لجلالة الملك ثم للحكومة التي تتخذ مثل هذه القرارات، ولمجلس الأمة الذي يبذل كل جهد لاقرار قانون عفو عام..فهي الجهات الرسمية المسؤولة، وهي التي تقع تحت المساءلة والغضب بسبب الظروف الاقتصادية، وحين تقدم مثل هذا التنازل فهي تثبت بأنها مستعدة لتحمل المزيد من الصعاب من أجل فئة قليلة من الشعب..
كلنا؛ حتى أنا أحتاج لمثل هذا العفو فهو يريح كاهلي من مبلغ ليس بالقليل يجب علي دفعه للدولة، وهو مخالفات السير، فمثل هذا المبلغ على الرغم أنني يمكنني دفعه، إلا أنني لا أرفض قرار دولة بعفوي من دفعه، وهذا سبب شخصي لسؤالي عن العفو العام، لكن القضية الأهم هي المتعلقة بالمحكومين بالسجن، الذين تقيدت حريتهم وحرموا أنفسهم «بأنفسهم» من حياة طبيعية، يعيشون فيها مع ذويهم ومع الآخرين يمارسون أعمالهم بكرامة واحترام، هؤلاء هم الذين سيكونون أسعد الناس بمثل هذه القرارات، وكثيرين من المتوازنين يفرحون لفرح هؤلاء الناس حين يحظون بعفو ملكي، يمنحهم فرصة أخرى لحياة أفضل..
في الأعوام القليلة الماضية، وقبل 4 اعوام تقريبا، كان بعض المساجين يهاتفونني من السجون، يطالبونني بالكتابة عن قضاياهم وعن بعض المآزق الاجتماعية القانونية فيها، وأذكر بانني كتبت في هذه الزاوية عن أحدهم، كان يجب أن يشمله عفو خاص موسع، لكنه لم يشمله، وبعد أن كتبنا في هذه الزاوية عنه هاتفني أحد المسؤولين في رئاسة الوزراء آنذاك، وبعد أن زودته بالمعلومات، تمت العودة من قبل تلك الحكومة الى القرار الأول، فأصدرت قرارا آخر يشمل هذا الشخص، وقد سجلت في ذاكرتي وقلبي فرحا ساهمت بصناعته في قلوب وحياة أفراد تلك العائلة.. وتلك مقالة أعتز بأنني كتبتها، وبأنها أثمرت مثل هذا الفرح الانساني الخالص، الذي أعيشه كلما تذكرته، على الرغم من عدم معرفتي او لقائي بفرد واحد من تلك العائلة، وإنني متأكد تماما أن أضعاف هذا الفرح يغشى قلب صاحب الجلالة ورئيس الحكومة ورئيسي الأعيان والنواب وكل شخص ساهم في استصدار قانون عفو، ففرح البؤساء وغيرهم من الناس، أهم من المال والأرصدة والوظائف والوجاهات كلها ..
العفو العام يوم وطني كبير، نتمنى أن نعيشه جميعا ونتذكر كل الجهات التي عملت على إخراجه الى حيز الاقرار والتنفيذ.
الدستور

مدار الساعة ـ نشر في 2018/12/12 الساعة 00:28