من وين بتجيبوا القوانين؟!

مدار الساعة ـ نشر في 2018/12/11 الساعة 00:17
.. سؤال بسيط، لكنه عميق جدا لو أمعنا النظر، يعني صارت كثير: قوانين تم اقرارها من قبل الجهات الدستورية، ثم الغاؤها بالتعديل والتبديل، أو القوانين التي تقدمها الحكومة لتلك الجهات لإقرارها، ثم تتراجع عنها فتسحبها، وتجري تعديلات، وبعد الاقرارات والتعديلات الحاسمة، يعود السؤال ليصدح ثانية: انتو من وين بتجيبوا القوانين؟!
القانون المسحوب أمس الأول؛ قانون الجرائم الالكترونية الذي سحبته الحكومة من مجلس النواب، وصرحت بأنه ينطوي على مصطلحات فضفاضة، وعقوبات «فلكية»، هو قانون نحن بحاجته بلا أدنى شك، حيث لا يوجد اثنين موضوعيين، يرضيان أو يقران بما يتم تداوله من جرائم الكترونية بحق البلاد والعباد.. وقبل أن نسهب في الخطابة والإنشاء دعونا نتوقف عند «كلام الناس العاديين»، الذي أصبحوا يكتبونه كتابة على مواقع الانترنت المختلفة، أو تلك المواد التي يتم نشرها كالفيديوهات والتسجيلات وسائر الصور..
الناس؛ ومنذ نشأة الجنس البشري على الكوكب، يتكلمون، وهم دوما يغيرون من اسلوب حياتهم، حتى اللغة والحوار يقومون بتطويرها وتمدينها، ومن هنا جاءت الحاجة للثقافة والتعليم وبناء الوعي، فالكلام المتداول بين الناس يمكن تصنيفه بناء على حجم الوعي السائد في المجتمعات، وعند العرب؛ ثبت في تكوينهم النفسي نزعة نافرة ومنفرة من السلطة، أي سلطة في الدنيا، وعلى ألسنة العرب ثبتت الظاهرة «الكلامية» الصوتية من زمان، حتى اللغة العربية تميزت بأنها واسعة فيها أصوات تغير معنى الكلمة نفسها.. فالناس في مجتمعنا ومنذ مرحلة الطفولة يتداولون الكذب النميمة والغيبة والكلام في «القفا»، وحتى بعد نزول الوحي في الديانات المختلفة، فقلة قليلة منهم يلتزمون بفضيلة عدم النميمة والنفاق والكذب وتشويه الحقائق بعلم او دون علم، لكن كل الناس «العرب اعني ويمكن غيرهم»، يبالغون في النميمة، وهذه ظاهرة عربية ازدادت رسوخا في العقل العربي البسيط، بسبب عصور من الكبت والعداء مع الآخر وبسبب الجهل والفقر والتخلف عن الحضارات الانسانية الحديثة..
اسلوب تناول المعلومة والخبر لدى البسطاء لم يتغير كثيرا، وهو لايزعج كثيرا، بما أنه محصور بين الناس حتى وان كانوا مجموعات كبيرة، حيث تجد أن مجموعة كاملة تتحدث عن شخص او مجموعة أخرى بكلام لا يرضونه، لكنه كلام لا يصل الى المجموعة الأخرى، وإن وصل فهو يأتيهم بشكل سري وغير رسمي، وفي حال إظهاره الى العلن وعلى الملأ..تحدث الكوارث والصدامات بين المجموعتين من الناس، وقد تتطور الحالة لتصبح قضايا في المحاكم ويتم الحكم على الذي يتجنى على الناس او يصفهم بما يكرهون او بما ليس فيهم.. هذا هو الحال، فما الذي تغير فجعلنا بحاجة الى قوانين جديدة؟
انه الانترنت؛ فهو قناة او قنوات تتيح للناس ان يمارسوا لغتهم وتفكيرهم وانماط حديثهم القديمة لكن على الملأ، فالكلام غير الموضوعي او المتخلف او المكذوب، الذي كانوا وما زالوا يقولونه بينهم، هو نفسه أصبحوا يكتبونه أو يقدموا بشأنه صور وفيديوهات وتأويلات وتحليلات ثم فبركات.. ومثل هؤلاء أصبحوا يسيئون للمجتمعات وللدول بشكل كبير بفضل الانترنت وقنواته المختلفة، لذلك من المنطقي ان يكون هناك قانون يضبط هذا التعامل المرفوض.
الصحفي «عضو نقابة الصحفيين»، النقابة القانونية، التي تضم في عضويتها أصحاب مهنة، معنية بالبحث عن الحقيقة ومطاردتها وتقديمها للناس، هؤلاء يجب استثناؤهم من القانون المذكور، وهذا تعديل مطلوب على القانون، لأننا لا نريد أن يعود السؤال «من وين بتجيبوا القوانين؟» ليصدح للمرة الألف حول القانون نفسه، الصحفي شخص مهني ويوجد قوانين تضبط عمله، وهو من حقه أن يقدم تلك المعلومات للناس بالطريقة التي يراها، لا يمنعه عن اختيار اسلوب العرض والنشر الا التزامه بمؤسسات اعلامية ينتمي اليها، لكن واجبه الانساني المقدس هو تقديم المعلومة للرأي العام، لا تمنعه عن تقديمها قوانين تجعله مجرد مستخدم للانترنت يتم التعامل معه كأي شخص غير مختص. الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2018/12/11 الساعة 00:17