اصغوا لأصوات الناس وانحنوا لإرادتهم
مدار الساعة ـ نشر في 2018/12/08 الساعة 23:29
بعد عودة الاحتجاجات للدوار الرابع لا أعتقد أن الدولة الأردنية مرتاحة لهذا الواقع، بل هي قلقة وتبحث عن حلول.
من المؤكد أن هناك مشكلة، وأزمة، وتراجع كبير في ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة، ولهذا يعودون بعد أشهر قليلة من اسقاط حكومة هاني الملقي للاحتجاج والتظاهر رغم قساوة الطقس والبرد والشتاء.
على العقلاء في الدولة أن يجدوا حلاً لحالة الاستعصاء التي يمر بها الأردن، وأول هذه الخطوات الإصغاء لمطالب المحتجين فهو اجراء لا يحتمل التأجيل والمماطلة.
هؤلاء الذين خرجوا للشارع رغم غضبهم ما يزال لديهم الأمل بأن حركتهم قد تحدث أثراً، وهؤلاء يا دولة الرئيس لا يجوز تخوينهم أو اتهامهم بأنهم يحملون أجندات خارجية.
خلية الأزمة في الدولة عليها أن تدقق في مطالب المحتجين وتمحصها وتدرسها وتجد طريقاً لتتلاقى في منتصف الطريق، فإن كان قانون ضريبة الدخل قد مضى ومر بكافة مراحله الدستورية، وأصبح أمراً واقعاً، فلماذا تتمسك بتعديل قانون الجرائم الالكترونية، ولماذا لا تطلق سراح كل معتقلي الرأي، ولماذا لا تراجع بند فرق سعر الوقود على فاتورة الكهرباء، ولماذا لا تسارع في انجاز العفو العام؟
أكثر هذه الإجراءات لا تشكل كلفة على الحكومة، فماذا سيحدث لو سحبت الحكومة مشروع القانون المعدل للجرائم الإلكترونية من مجلس النواب، وعكفت مع لجنة خبراء على إعداد تصورات بديلة تخفف الاحتقان الشعبي، وإحساسهم أن الحكومة تريد تكميم أفواههم؟!
التوافق وبناء التسويات وإدارة الأزمات يتطلب تقديم تنازلات، وبالتأكيد فإن التنازل والانحناء لأصوات ومطالب الناس وإرادتهم ليست خسارة بل مكسب يعزز قوة الدولة ومكانتها، ولنتعظ ونتعلم من الدول الديمقراطية.
***
في سياق بناء التفاهمات التقى دولة رئيس الوزراء عمر الرزاز ممثلين لمؤسسات المجتمع المدني في مؤسسة عبد الحميد شومان ليستمع إلى التحديات والمشكلات التي يتعرضون لها، ويعرض عليهم رؤيته لمشروع النهضة ومكانة ودور المجتمع المدني في هذا المشروع.
المؤكد وهو ما قاله الرئيس الرزاز أنه لا يملك عصا سحرية تنبت حلولاً، داعيا الحاضرين إلى التمسك بالأمل، ومؤكداً أن المجتمع المدني شريك أساسي في مشروعه وخطته.
عرض الرئيس بشكل عابر الأولويات في خطة الحكومة، وتحدث عن التحديات الاقتصادية، وشخّص واقع التيارات والقوى المجتمعية مؤشراً إلى تنامي الاحتراب الداخلي، وإلى وجود قوى اقصائية وأخرى تحتكر الصواب والحقيقة ولا تقبل بالتعددية.
ولسنا هنا بصدد مناقشة واقع توجهات القوى المجتمعية رغم أن في تشخيصه الكثير من الصواب، ولكن ما يجب أن نركز عليه سيادة القانون، وهو ما تشكو منه مؤسسات المجتمع المدني.
قدم ممثلو مؤسسات المجتمع المدني جردة حساب بكل الممارسات التي تتم خارج إطار القانون، وتتعمد تعطيل أعمالهم، بدءاً من رفض إعطائهم إشعاراً بأنهم قدموا معاملة لمؤسسة حكومية وعلى سبيل المثال لا الحصر "طلب تنظيم نشاط"، مروراً بالتدخل الفج في عملهم، وليس انتهاءً بالتضييق على عملهم ورفض الكثير من المشاريع التي يقدمونها لأسباب واهية.
استمع الرئيس لملاحظات وانتقادات مؤسسات المجتمع، وسجل ودون العديد من الملاحظات التي تحتاج إلى تدخل ومعالجة سريعة، وطالب بالعمل على الحوكمة الرشيدة لمؤسسات المجتمع المدني لمساعدته على إيجاد الحلول، وربما لقطع الذريعة على قوى الشد العكسي التي لا تؤمن بدور المجتمع المدني.
تتعرض مؤسسات المجتمع المدني إلى اتهامات يومية، وحملات ممنهجة لشيطنتها ووصمها بالعمالة لجهات خارجية، وبأجنداتها الخارجية، وبتسليطها الضوء على قضايا تسيء لصورة البلد، بل واتهامها بأنه "تجييش" ضد الدولة، وينتهي الأمر بتهديدها وتشويه صورتها باتهامات باطلة.
لقاء الرئيس بمؤسسات المجتمع المدني فرصة لتوطيد علاقاته بحلفائه، وهذا يتطلب الانتقال من الشكاوى وعرض المشكلات إلى بناء التصورات للحلول المؤسسية والتوافقية والتي تضع حداً للتعامل مع المجتمع المدني باعتباره خارجاً عن الدولة.
في اللقاء مع الرئيس الرزاز بشومان سألته سؤالاً: ماذا تريد الدولة من مؤسسات المجتمع المدني؟ هل تؤمن بوجودها أساساً وتريدها، هل تؤمن بدورها ومساهمتها بالتنمية؟ وقلت للرئيس بكل صراحة ووضوح "إذا لم تكن الدولة راغبة ومتحمسة لمؤسسات المجتمع المدني، فنحن على أتم الاستعداد لإغلاقها فوراً، وتسليم مفاتيح مقراتها للحكومة!".
باختصار هذه قصة الاحتجاجات ومؤسسات المجتمع المدني.
الغد
مدار الساعة ـ نشر في 2018/12/08 الساعة 23:29