رجال دولة.. ولكن!

مدار الساعة ـ نشر في 2018/12/08 الساعة 23:13
طرح الزميل جهاد المومني عبر برنامجه في إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية "رأيك مهم" سؤالاً حول اختفاء من يسمون رجالات الدولة وأعمدة الحكم السابقين. لماذا يغيبون عن المشهد الوطني ويمارسون الحياد السلبي فلاهم من الموالاة ولاهم من المعارضة، هل همشوا أنفسهم أم جرى تهميشهم؟ الزميل المومني طرح علّى هذا السؤال وأسئلة أخرى على الهواء مباشرة، وهي أسئلة تستفز العقل للتفكير في واقعنا، وأول الذي يخطر في البال للإجابة على هذا السؤال هو ضرورة تحديد المصطلحات ودلالاتها، وفي هذه الحالة من حقنا أن نسأل: من هو رجل الدولة، وهل هو كل من شغل وظيفة عامة كبرت أم صغرت؟ ومن ثم هل هو الموظف الذي يستمد قيمته وقوته من موقعه الوظيفي أم أن رجل الدولة هو الرجل الذي يمتلك رؤية ومشروع لتطوير الدولة ومن ثم فإن الموقع هو الذي يستمد قيمته منه؟. والإجابة عندي أن رجل الدولة ليس هو كل من يشغل الموقع كبر الموقع أم صغر، لكنه الذي يمتلك المشروع والرؤيا لخدمة الوطن، وفي هذا المجال يبرز الشهيد وصفي كنموذج لرجل الدولة الذي خلدته رؤيته ومشروعه في وجدان شعبه وتاريخ وطنه. بينما طوى النسيان آخرين شغلوا المواقع التي شغلها وصفي. وربما لمدد أطول، لكنهم كانوا مجرد حالات ملىء للفراغ، على أن الأمانة تقتضي القول أن وصفي التل ليس حالة فريدة كرجل دولة أردني، فتاريخياً كان لدينا في الأردن رجال دولة، كانت قيمتهم هي التي تضيف إلى المواقع التي شغلوها قيمة مضافة، لأن هؤلاء الرجال كانوا يستمدون حضورهم وقوتهم وتأثيرهم من تأثير امتداداتهم الشعبية كما كانوا يستمدون هذا الحضور والتأثير من حجم مشاركتهم في الحياة العامة، ومن قدرتهم على إعلان آرائهم في قضايا الوطن عبر مختلف الوسائل ندوات، محاضرات بيانات تصريحات، ولم يكونوا يربطون مشاركتهم هذه بأشغالهم للمواقع الرسمية. إن أي قارىء لتاريخ الأردن المعاصر، خاصة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي سيكتشف أن الأردن كان يغص برجال الدولة الأكفاء قبل أن ندخل عصر اليباب الحالي. لكن الأمانة تقتضي هنا أيضاً أن نقول أن الرجال هم إفراز مجتمعاتهم وصورة عنها، وأعتقد أن مجتمعنا الأردني صار في العقود الأخيرة يعاني من فقر شديد في آليات إعداد وفرز القادة، وأول ذلك أن ترهل الإدارة العامة الأردنية صار سبباً من أسباب غياب رجال الدولة بعد أن كانت هذه الإدارة مدرسة لإعداد وتأهيل وتقديم رجال الدولة. ومثل الإدارة العامة كانت الأحزاب وسائر مؤسسات المجتمع المدني الحقيقية، التي لديها برامجها ومشاريعها النابعة من تربة الوطن، هي الأخرى مدارس لإعداد القادة وفرزهم، وهنا لابد من الاعتراف أننا كمواطنين نتحمل مسؤولية هذا الفقر في رجال الدولة، لأننا في غالبيتنا الساحقة لانريد أن نتحمل تكاليف العمل العام، ومن ثم فإننا نجحم عن الإنخراط في أطره الحقيقية، ففي الوقت الذي نطالب فيه بحياة حزبية تؤدي إلى حكومات حزبية تفرز رجال دولة وقادة نمتنع عن الانخراط بالأحزاب انخراطاً حقيقياً يؤدي إلى قيام الحياة الحزبية التي ننشدها، وفي الوقت الذي نريد فيه أن تكون النقابات المهنية أكثر فاعلية فإن أعضائها يحجمون عن حضور هيئاتها العامة، مثلما يحجمون عن المشاركة في سائر أنشطتها، مما يضعف هذه النقابات ويعطل دورها في فرز رجال دولة يمتلكون رؤى ومشاريع وطنية، فإذا أضفنا إلى ذلك ارتهان نسبة كبيرة من مؤسسات المجتمع المدني إلى التمويل الأجنبي واشتراطاته، عرفنا لماذا تعاظم فقرنا إلى رجال الدولة القادة، الذين لا يعرضون عن المشاركة في الحياة العامة عندما يغادرون مواقعهم الرسمية، ويقفون على الرصيف متفرجين على المشهد من خارجه دون أن يكون لهم دور في إخراجه. الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2018/12/08 الساعة 23:13