نعم، عبدالله طفل محظوظ!
مدار الساعة ـ نشر في 2017/02/21 الساعة 15:26
مدار الساعة - تتواجد ماري غالاغر في الأردن وتعمل في حملة "فرصة عادلة"- وهي حملة أطلقتها منظمة أطباء بلا حدود بهدف تخفيض سعر لقاح الالتهاب الرئوي في الدول النامية. تتحدث لنا عن لقائها طفل يعاني من الالتهاب الرئوي في شمال الأردن.
قال لي الدكتور أنس: "ستحبين هذه الغرفة" فيما يأخذني في جولة إلى مستشفى منظمة أطباء بلا حدود للأم والطفل في إربد، وهي محافظة تقع في شمال الأردن بالقرب من الحدود السورية. وكان فعلاً على حق، إذ وجدتني سعيدة وأنا أمشي في غرفة ينام فيها الأطفال بأمان. معظمهم لم يكونوا بحال جيدة لكن لم يبدُ ذلك عليهم، والعديد منهم كانوا في طريقهم إلى الشفاء.
باستثناء عبدالله الذي بدا شديد المرض. كان يجلس في حاضنة الأطفال ويصارع ليتنفس. وكلّما أخذ نفساً من أنبوب الأكسيجين، بدا صدره وكأنه يتهاوى تحت قفصه الصدري ويهبط نحو عموده الفقري.
أعمل مع منظمة أطباء بلا حدود في حملة "فرصة عادلة" منذ عام واحد تقريباً. تركّز هذه الحملة على تخفيض سعر لقاح الالتهاب الرئوي (المعروف بلقاح المكورات الرئوية) لكنها المرة الأولى التي أرى فيها طفلاً مصاباً بهذا المرض. ووجدت صعوبة في مشاهدة ذلك. والأصعب بعد أن أعرف أن المرأة التي تتوجه إلينا كانت نفس المرأة التي رأيتها وبدت منهكة وتبكي في الممر في وقت سابق من ذاك الصباح.
ومن الطبيعي أن يشعر أي شخص بالقلق في وضع كهذا. إذ بدا الأمر ميؤوساً منه. فعبدالله، البالغ من العمر أربعة أيام فقط، نحيف جداً، وظهر الألم واضحاً عليه. طلبت والدته من الدكتور أنس تقييمه- كما تفعل كلما رأت الطبيب يمر. وقد سألته عن ذلك ثلاث مرات في ذاك الصباح. ابتسم الدكتور أنس قائلاً لها: "يمكنكِ أن تري تماماً مثلي أنه يبدو أفضل في كافة الأوقات." إن كان وضعه الحالي يعتبر أفضل، لا يمكنني إذن تخيل الحال التي كان عليها قبل يوم.
إن والدة عبدالله هي لاجئة سورية تبلغ من العمر 17 عاماً. حين سألتها عن معرفتها أطفال آخرين مصابين بالالتهاب الرئوي قالت لي إنها لم يسبق وسمعت باسم هذا المرض لكن من الطبيعي أن يصاب الأطفال بالمرض الشديد نتيجة التهاب في الصدر كهذا. وقالت إن طفلها الأكبر، البالغ من العمر سنتين، كان مريضاً جداً، وتماماً كعبدالله تم إعطاؤه المضادات الحيوية وتحسن حاله.
ولم يكن من الممكن إعطاء اللقاح مباشرة لمساعدة عبدالله، فهو يبلغ من العمر أياماً قليلة ويعتبر صغيراً جداً للحصول عليه. لكن فكرة أن تكون هكذا معاناة شائعة إلى هذا الحد، وأن تحصل كل يوم، فذلك أمر لا بدّ أن يتغير. إن الأطفال كعبدالله هم في حال صعبة جداً لأن العديد من الحكومات في جميع أنحاء العالم لا تتمكن من تغطية تكلفة لقاح الالتهاب الرئوي لحماية هؤلاء الأطفال.
ولا يتم الإبلاغ كما يجب عن حقيقة أن الالتهاب الرئوي يقتل عدداً من الأطفال ما دون سن الخامسة يفوق العدد الناتج عن أي مرض آخر. فهو يتسبب بمقتل قرابة المليون طفل كل عام . والعديد من هؤلاء الأطفال يموتون في البلاد المعروفة بـ"البلدان المتوسطة الدخل"- أي البلدان غير الفقيرة بما يكفي لتحصل على المساعدة والحسومات على أسعار اللقاحات (من المنظمات كمنظمة "غافي": التحالف العالمي للقاحات والتطعيم)، لكن ليست غنية بما فيه الكفاية لتتمكن من دفع أسعار اللقاحات المرتفعة جداً.
ويقع الأردن ضمن هذه الخانة وقد تم التحدث علانية عن الحاجة لأسعار لقاحات أكثر اعتدالاً ولسوق أكثر شفافية. فمع معدل تغطية لقاحات يبلغ 99% ، يعتبر هذا البلد جيداً في مجال تطعيم أطفاله. ويقوم الأردن بذلك بغض النظر عن وضع الطفل- رافضاً التمييز بين الأطفال الأردنيين والعدد المتزايد من اللاجئين الذي تستقبله البلاد (حالياً يوجد 656,170 لاجئاً سورياً رسمياً مسجلاً وإذا شملنا اللاجئين غير المسجلين فالعدد أكثر من ذلك.) لكن لقاح المكورات الرئوية اتسم حتى الآن بكونه باهظ الثمن بشكل هائل. والشركتان الوحيدتان اللتان تصنعان اللقاح، فايزر وغلاكسوسميث كلاين رفضتا عرض سعر معتدل للأردن.
وتجدر الإشارة إلى إن السعر الأخير الذي تم عرضه على الأردن بلغ 43.05 ديناراً أردنياً (أي 60.90 دولاراً أميركياً) للطفل الواحد للمنتج المصنوع من قبل شركة فايزر و 36.54 ديناراً أردنياً (أي 51.51 دولاراً أميركياً) للطفل الواحد للمنتج المصنوع من قبل شركة غلاكسوسميث كلاين (وهذه هي تكلفة الجرعات الثلاث المطلوبة لتأمين الحماية الكاملة للطفل). إن هذه الأعداد تزيد-وفقاً لوزارة الصحة- الكلفة الإجمالية لشراء اللقاح التي تتراوح بين 12.2 مليون و14.4 مليون دينار أردني. ويعتبر هذا المبلغ هائلاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنه في حال تم إدخال اللقاح، ستشكّل تكلفة لقاح الالتهاب الرئوي وحده بين 57 و67% من الميزانية الإجمالية الحالية المخصصة للتطعيم (وما يقارب 3% من الميزانية الإجمالية للصحة).
وتتمثل نتيجة هذه الأسعار المرتفعة في استمرار الأطفال المصابين بالالتهاب الرئوي في بلدان كالأردن بالاعتماد على المضادات الحيوية للتحسن (هذا في حال تمكنوا أصلاً من الحصول على العلاج). وسيتم اعتماد هذا الحل بعد أـن يكون الطفل قد وصل إلى مرحلة شديدة من المرض، وهذا ما يعتبر مشيناً ولا حاجة لحدوثه. كما أن ذلك يُعدّ حلاً غير مستدام- فنحن نواجه في العالم خطر مقاومة المضادات الحيوية لذا فاستعمال المضادات الحيوية في وضع كهذا، حيث نملك أصلاً طريقة وقائية لكن ليس بإمكاننا الوصول إليها، يعتبر أمراً غير مسؤول.
لكن الخبر السار في قصة عبدالله هو أنه، فقط بعد عشرة أيام من لقائي الأول به، شُفي بشكل تام من الالتهاب الرئوي. فحين اتصلت للاطمئنان عليه، قيل لي أن الطفل عاد لوزنه الطبيعي، وأنه يأكل جيداً وتم إخراجه من المستشفى.
لكن عبدالله هو من بين أولئك الأطفال المحظوظين وليس هناك سبب لإبقاء صحة الأطفال الصغار عرضة للحظ. فنحن نعرف أن الوقاية خير من العلاج، ومع وجود لقاح لحماية الأطفال من الالتهاب الرئوي المتوفر أصلاً، يجب أن نطالب شركتي فايزر وغلاكسوسميث كلاين باتخاذ خطوة مسؤولة لجعل لقاحهما متوفر بتكلفة معقولة لبلدان كالأردن.
مستشفى منظمة أطباء بلا حدود للأم والطفل في إربد
في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2013، افتتحت منظمة أطباء بلا حدود مستشفى للأم والطفل في محافظة إربد الأردنية الشمالية، و يوفّر المستشفى الخدمات للاجئين السوريين والمحتاجين الأردنيين الذين يعيشون في المجتمع المحلي، الأمر الذي بات مهماً جداً نظراً للضغط المتزايد على النظام الصحي الأردني.
يعتمد هذا المستشفى معايير عالية في مجال الأمومة وطب الأطفال حديثي الولادة ويدير الولادات المعقدة وتم تخصيص فريق جراحي لإنجاز الولادات القيصرية. كما أن التطور المستمر في الوضع أجبر اللاجئين السوريين في الأردن على مواجهة مزيد من المصاعب الاقتصادية والاجتماعية. لذلك، منذ العام 2014، تم اعتماد برنامج خاص بالصحة النفسية للأطفال من اللاجئين السوريين والذي يشمل اليوم أنشطة التواصل مع المجتمع بهدف للوصول إلى تجمعات اللاجئين السوريين في شمال الأردن والمحافظات المحيطة بها.
ماري غالاغر
قال لي الدكتور أنس: "ستحبين هذه الغرفة" فيما يأخذني في جولة إلى مستشفى منظمة أطباء بلا حدود للأم والطفل في إربد، وهي محافظة تقع في شمال الأردن بالقرب من الحدود السورية. وكان فعلاً على حق، إذ وجدتني سعيدة وأنا أمشي في غرفة ينام فيها الأطفال بأمان. معظمهم لم يكونوا بحال جيدة لكن لم يبدُ ذلك عليهم، والعديد منهم كانوا في طريقهم إلى الشفاء.
باستثناء عبدالله الذي بدا شديد المرض. كان يجلس في حاضنة الأطفال ويصارع ليتنفس. وكلّما أخذ نفساً من أنبوب الأكسيجين، بدا صدره وكأنه يتهاوى تحت قفصه الصدري ويهبط نحو عموده الفقري.
أعمل مع منظمة أطباء بلا حدود في حملة "فرصة عادلة" منذ عام واحد تقريباً. تركّز هذه الحملة على تخفيض سعر لقاح الالتهاب الرئوي (المعروف بلقاح المكورات الرئوية) لكنها المرة الأولى التي أرى فيها طفلاً مصاباً بهذا المرض. ووجدت صعوبة في مشاهدة ذلك. والأصعب بعد أن أعرف أن المرأة التي تتوجه إلينا كانت نفس المرأة التي رأيتها وبدت منهكة وتبكي في الممر في وقت سابق من ذاك الصباح.
ومن الطبيعي أن يشعر أي شخص بالقلق في وضع كهذا. إذ بدا الأمر ميؤوساً منه. فعبدالله، البالغ من العمر أربعة أيام فقط، نحيف جداً، وظهر الألم واضحاً عليه. طلبت والدته من الدكتور أنس تقييمه- كما تفعل كلما رأت الطبيب يمر. وقد سألته عن ذلك ثلاث مرات في ذاك الصباح. ابتسم الدكتور أنس قائلاً لها: "يمكنكِ أن تري تماماً مثلي أنه يبدو أفضل في كافة الأوقات." إن كان وضعه الحالي يعتبر أفضل، لا يمكنني إذن تخيل الحال التي كان عليها قبل يوم.
إن والدة عبدالله هي لاجئة سورية تبلغ من العمر 17 عاماً. حين سألتها عن معرفتها أطفال آخرين مصابين بالالتهاب الرئوي قالت لي إنها لم يسبق وسمعت باسم هذا المرض لكن من الطبيعي أن يصاب الأطفال بالمرض الشديد نتيجة التهاب في الصدر كهذا. وقالت إن طفلها الأكبر، البالغ من العمر سنتين، كان مريضاً جداً، وتماماً كعبدالله تم إعطاؤه المضادات الحيوية وتحسن حاله.
ولم يكن من الممكن إعطاء اللقاح مباشرة لمساعدة عبدالله، فهو يبلغ من العمر أياماً قليلة ويعتبر صغيراً جداً للحصول عليه. لكن فكرة أن تكون هكذا معاناة شائعة إلى هذا الحد، وأن تحصل كل يوم، فذلك أمر لا بدّ أن يتغير. إن الأطفال كعبدالله هم في حال صعبة جداً لأن العديد من الحكومات في جميع أنحاء العالم لا تتمكن من تغطية تكلفة لقاح الالتهاب الرئوي لحماية هؤلاء الأطفال.
ولا يتم الإبلاغ كما يجب عن حقيقة أن الالتهاب الرئوي يقتل عدداً من الأطفال ما دون سن الخامسة يفوق العدد الناتج عن أي مرض آخر. فهو يتسبب بمقتل قرابة المليون طفل كل عام . والعديد من هؤلاء الأطفال يموتون في البلاد المعروفة بـ"البلدان المتوسطة الدخل"- أي البلدان غير الفقيرة بما يكفي لتحصل على المساعدة والحسومات على أسعار اللقاحات (من المنظمات كمنظمة "غافي": التحالف العالمي للقاحات والتطعيم)، لكن ليست غنية بما فيه الكفاية لتتمكن من دفع أسعار اللقاحات المرتفعة جداً.
ويقع الأردن ضمن هذه الخانة وقد تم التحدث علانية عن الحاجة لأسعار لقاحات أكثر اعتدالاً ولسوق أكثر شفافية. فمع معدل تغطية لقاحات يبلغ 99% ، يعتبر هذا البلد جيداً في مجال تطعيم أطفاله. ويقوم الأردن بذلك بغض النظر عن وضع الطفل- رافضاً التمييز بين الأطفال الأردنيين والعدد المتزايد من اللاجئين الذي تستقبله البلاد (حالياً يوجد 656,170 لاجئاً سورياً رسمياً مسجلاً وإذا شملنا اللاجئين غير المسجلين فالعدد أكثر من ذلك.) لكن لقاح المكورات الرئوية اتسم حتى الآن بكونه باهظ الثمن بشكل هائل. والشركتان الوحيدتان اللتان تصنعان اللقاح، فايزر وغلاكسوسميث كلاين رفضتا عرض سعر معتدل للأردن.
وتجدر الإشارة إلى إن السعر الأخير الذي تم عرضه على الأردن بلغ 43.05 ديناراً أردنياً (أي 60.90 دولاراً أميركياً) للطفل الواحد للمنتج المصنوع من قبل شركة فايزر و 36.54 ديناراً أردنياً (أي 51.51 دولاراً أميركياً) للطفل الواحد للمنتج المصنوع من قبل شركة غلاكسوسميث كلاين (وهذه هي تكلفة الجرعات الثلاث المطلوبة لتأمين الحماية الكاملة للطفل). إن هذه الأعداد تزيد-وفقاً لوزارة الصحة- الكلفة الإجمالية لشراء اللقاح التي تتراوح بين 12.2 مليون و14.4 مليون دينار أردني. ويعتبر هذا المبلغ هائلاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنه في حال تم إدخال اللقاح، ستشكّل تكلفة لقاح الالتهاب الرئوي وحده بين 57 و67% من الميزانية الإجمالية الحالية المخصصة للتطعيم (وما يقارب 3% من الميزانية الإجمالية للصحة).
وتتمثل نتيجة هذه الأسعار المرتفعة في استمرار الأطفال المصابين بالالتهاب الرئوي في بلدان كالأردن بالاعتماد على المضادات الحيوية للتحسن (هذا في حال تمكنوا أصلاً من الحصول على العلاج). وسيتم اعتماد هذا الحل بعد أـن يكون الطفل قد وصل إلى مرحلة شديدة من المرض، وهذا ما يعتبر مشيناً ولا حاجة لحدوثه. كما أن ذلك يُعدّ حلاً غير مستدام- فنحن نواجه في العالم خطر مقاومة المضادات الحيوية لذا فاستعمال المضادات الحيوية في وضع كهذا، حيث نملك أصلاً طريقة وقائية لكن ليس بإمكاننا الوصول إليها، يعتبر أمراً غير مسؤول.
لكن الخبر السار في قصة عبدالله هو أنه، فقط بعد عشرة أيام من لقائي الأول به، شُفي بشكل تام من الالتهاب الرئوي. فحين اتصلت للاطمئنان عليه، قيل لي أن الطفل عاد لوزنه الطبيعي، وأنه يأكل جيداً وتم إخراجه من المستشفى.
لكن عبدالله هو من بين أولئك الأطفال المحظوظين وليس هناك سبب لإبقاء صحة الأطفال الصغار عرضة للحظ. فنحن نعرف أن الوقاية خير من العلاج، ومع وجود لقاح لحماية الأطفال من الالتهاب الرئوي المتوفر أصلاً، يجب أن نطالب شركتي فايزر وغلاكسوسميث كلاين باتخاذ خطوة مسؤولة لجعل لقاحهما متوفر بتكلفة معقولة لبلدان كالأردن.
مستشفى منظمة أطباء بلا حدود للأم والطفل في إربد
في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2013، افتتحت منظمة أطباء بلا حدود مستشفى للأم والطفل في محافظة إربد الأردنية الشمالية، و يوفّر المستشفى الخدمات للاجئين السوريين والمحتاجين الأردنيين الذين يعيشون في المجتمع المحلي، الأمر الذي بات مهماً جداً نظراً للضغط المتزايد على النظام الصحي الأردني.
يعتمد هذا المستشفى معايير عالية في مجال الأمومة وطب الأطفال حديثي الولادة ويدير الولادات المعقدة وتم تخصيص فريق جراحي لإنجاز الولادات القيصرية. كما أن التطور المستمر في الوضع أجبر اللاجئين السوريين في الأردن على مواجهة مزيد من المصاعب الاقتصادية والاجتماعية. لذلك، منذ العام 2014، تم اعتماد برنامج خاص بالصحة النفسية للأطفال من اللاجئين السوريين والذي يشمل اليوم أنشطة التواصل مع المجتمع بهدف للوصول إلى تجمعات اللاجئين السوريين في شمال الأردن والمحافظات المحيطة بها.
ماري غالاغر
مدار الساعة ـ نشر في 2017/02/21 الساعة 15:26