السكوت لا يحمي وطناً.. مجلس النواب مثالاً ..!

مدار الساعة ـ نشر في 2018/12/05 الساعة 13:22
/>الكاتب : الدكتور قدر الدغمي
يعد البرلمان السلطة التشريعية في الدولة وهي السلطة المعنية بسن القوانين والقيـام بالرقابـة على أداء السلطة التنفيذية حيث تأتي أهمية البرلمان في الدولة كون أعضائه ينتخبون مباشـرة من طرف الشعب وبالتالي يكون ممثلا له ويمارس سلطته.
فمعظم الدساتير الديمقراطية تعد الشعب مصدر السلطات لتسهيل عمل البرلمان حيث يشكل من أعضائه كتلا حزبية ومجموعات متنوعـة ولجانـا برلمانيـة تختلف في هيكلتها المتبعة وقواعدها وإجراءاتها من برلمان لآخر.
من اغرب مقولات أبن خلدون في مقدمته قوله: " إن الذكاء والحكمة العميقة تعد عيباً في صاحب السياسة فهي افراط في الفكر فيحمل الحاكم على شعبه ما لا يستطيعون استيعابه ولا الإيمان به".فعلى الرغم من تحفظات البعض على مقولة رائد علم الاجتماع أو ربما أعظم عالم اجتماع منذ قرون، غير أن الواقع اثبت صحة هذه المقولة بشكل يكاد أن يكون دقيقا فترى مثلا فشل قادة سياسيين اذكياء أو سقوطهم وابتعادهم بغض النظر عن الأسباب بينما نشهد نجاح اغبياء او ادعياء او محدودي الفكر في تسلق السلم وبقائهم في السلطة عشرات السنين.
الحد الفاصل بين مجلس نواب مهني يحمي مصالح الشعب وبين مجلس نواب يتآمر على من يمثلهم هو ليس نزاهة النائب ولا ضميره بل هو قدرة الناخبين على مراقبة أداء ممثليهم تحت قبة البرلمان من أول يوم يتبوؤون فيه مقاعدهم وابتداء من تفاعله وانضمامه للتكتلات واللجان داخل المجلس إلى التصويت على ثقة الحكومة، نهاية بمناقشته أصغر قانون يتم طرحه يمس حياة الناس .
ايضاً يستحضرني هنا ما كتبه الكاتب والمفكر الليبي الصادق النيهوم في كتابه " محنة ثقافة مزورة" وهو يتطابق مع التفسير المنطقي للحديث الشريف: " إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودّع منهم" لم يعد الصابرون هم الناس الذين يصبرون على الشدائد في سبيل تغيير واقعهم .. بل اصبحوا هم الناس الساكتون الذين ينتظرون تغيير واقعهم بطول السكوت ...”
إن الصبر دون مقاومة كلمة لا علاقة لها بمعنى الصبر، فالمسلم مثلاً عليه أن يقاوم بيده ولسانه وقلبه ومن دون عنصر المقاومة، لا يسمي الإسلام الناس الساكتين باسم "الصابرين" بل يسميهم الناس الذين شهدوا على أنفسهم بالباطل".
لذلك دائما ما نسمع المتشائمين واليائسين يلومون الشعب بأنه وراء كل المآسي التي تعصف بالوطن من منطلق الحديث " كما تكونوا يولى عليكم" فالصبر على الظلم والطغيان لا يعني بأي شكل من الأشكال القبول المطلق به.
لقد شاهدنا ضعف وصمت مجلس النواب في زمن الحكومة السابقة أمام خروج المظاهرات والاحتجاجات الشعبية الحاشدة على الدوار الرابع والتي كانت تطالب بإلغاء قانون الضريبة وبإسقاط الفاسدين ورحيل الحكومة.
هذا الصمت أجج الشارع وزاد من الحركات الاحتجاجية حيث تبنت النقابات المهنية وتزعمت قيادة تلك الهبة العفوية وركبت الموجة على حساب دور البرلمان حيث أظهر غالبية أعضاء مجلس النواب عدم اكتراثهم لهذه المطالب وهذه الاحتجاجات ولاذ بالصمت ونأى بنفسه بعيداً لا بل ظهر العديد منهم على شاشات التلفزة المحلية والعربية يرفض ويشجب ويستنكر خروج المحتجين ووصفهم بأوصاف مشينة ومستفزة مما جعل المتظاهرين تتعالى هتافاتهم ايضاً وتزداد في المناداة والمطالبة بإسقاط الحكومة ومجلس النواب معاً واصرارهم على مواصلة الاحتجاج حتى تتحقق مطالبهم .
الكارثة أن هذا المجلس كرر سكوته مرة أخرى في تمرير قانون الضريبة والتي عدلت عليه الحكومة الحالية شكلياً أمام رهان شعبي على إجبار الحكومة على سحبه أو رده من قبلهم لكن السكوت كان سيد الموقف.
وجود مجلس نواب ساكت ويتفرج على ملايين الجياع من الأيتام والأرامل والمعاقين ولا يقترح حلاً سريعاً لمأساتهم ويطرحه لا يحل مشكلة ..! وساكت على مشاريع خصخصة الكهرباء والماء والهواء والصحة والتعليم وبيع القطاع العام للمتنفذين لا يحل مشكلة ..! وساكت على نهب الثروات الوطنية والمال العام ولم نشهد له أنه قدم إلى القضاء قضية فساد واحدة أدت الى اعتقال فاسد من الوزن الثقيل لا يحمي وطناً ولا يحل مشكلة .!!
وساكت سكوتا مطبقا على الرواتب الضخمة والأسطورية للمسؤولين الكبار ولا يطرح بديلاً أو تعهداً بأنه سيخفضها الى النصف أو الربع لا يحمي وطناً ولا يحل مشكلة .!!
وعلى رأي غوار الطوشة: (مشكلتنا مش عندك، مشكلتنا معك)..!
مدار الساعة ـ نشر في 2018/12/05 الساعة 13:22