بين عولمة الفقر وتوطينه
كتب.. د.أشــرف قــوقــزة
لا شك بأن الأردن كغيره من دول العالم كان ضحية - دون إرادة منه- لعملية إعادة الهيكلة الاقتصادية التي تضبط حركة الاقتصاد العالمي (عولمة الفقر)، وهي عملية عامة لجباية الديون، والتي قيدت مؤسسات الدولة القومية، وأسهمت في تدمير العمالة والنشاط الاقتصادي، حيث وصل عبء الدين الخارجي في تلك الدول أرقام قياسية، وتزعزعت بلدان بأسرها نتيجة انهيار العملات الوطنية ومواجهة الكثير من المشكلات الاقتصادية، الأمر الذي سهل للدائنين الدوليين فرض عملية إعادة الهيكلة الاقتصادية على البلدان النامية منذ أوائل الثمانينات، والتي زادت وطأتها بشكل ليس له مثيل في القرن الحادي والعشرين.
ولقد أدت البرامج التي فرضها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على البلدان النامية كشرط لإعادة التفاوض على ديونها الخارجية منذ أوائل الثمانينات إلى تدمير اقتصاديات البلدان النامية وإفقار مئات الملايين من الناس، فانهارت القوة الشرائية للعملات المحليه، وظهرت المجاعات وأغلقت العيادات والمدارس، فبالرغم من أن ولاية البنك الدولي تتمثل في مكافحة الفقر ودعمه للبيئة إلا أن البرامج التي كان يتبعها أسرعت في إفقار هذه الدول ودمرت البيئة الطبيعية لها وأوصلتها إلى حد الفقر بعدما كانت تسعى للخلاص منه.
هذا بالإضافة إلى أن إقراض هذه المؤسسات الدولية قائم على السياسة، حيث كانت تقتصر خدمة الدين على ضمان استمرار الدول المدينة في الوفاء بالتزاماتها المالية، إذ يتم تأجيل سداد الدين الأصلي في حين تنفذ مدفوعات الفائدة وتحول الديون إلى أسهم وتقرض نقود جديدة للدول التي وصلت حافة الإفلاس لتمكينها من سداد متأخراتها من فوائد الديون القديمة حتى تتجنب الإعسار مؤقتا وهلم جرا، وهنا لا يقبل الدائنون إعادة الجدولة إلا بالنسبة للدول التي تلتزم بالمشروطات الأساسية المرتبطة باتفاقيات القروض، فالأموال لا تمنح إلا إذا التزمت الحكومة بإصلاحات التكييف الهيكلي ودعم متغيرات سياسية، في الوقت الذي تحترم فيه المواعيد الدقيقة لتنفيذها، وبذلك لم توجه هذه الأموال إلى الاستثمار بل أنها خدمة أهداف أخرى فقروض التكييف هذه حولت الموارد بعيدا عن الاقتصاد المحلي، الأمر الذي أدى إلى نمو عبء الدين.
وهي في ذات الوقت فإن هذه الدول مطالبة بإجراء إصلاحات هيكلية ضرورية، تتمثل بحزمة من الإصلاحات لا بد من القيام بها كشرط لاستمرار دعم تلك المؤسسات الدولية، كتحرير التجارة، وإطلاق القطاع المصرفي، وخصخصة منشاة الدولة، والإصلاح الضريبي، وخصخصة الأراضي الزراعية، فهي في ظاهرها إجراءات إصلاحية، إلا أنها في الواقع قد جرت الدولة إلى ويلات اقتصادية كبيرة نعيش نتائجها اليوم.
لكن الحكومات الأردنية وبإرادتها عملت على توطين الفقر ، أي بتحويله من مشكلة عالمية إلى مشكلة وطنية، وذلك بعدم تنبهها واتخاذ لكافة الإجراءات والخطط التي تنقذها من الاستمرار في الخضوع لسياسات الإفقار من قبل المؤسسات الدولية، حيث تعتمد كل وزاراه ومؤسسة خطط واستراتيجيات قطاعية خاصة بهذه الوزارات، فهناك الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفقر، والإستراتيجية الوطنية لتكنولوجيا المعلومات التي صيغت بالمشاركة مع القطاع الخاص، والإستراتيجية الوطنية للسياحة، والإستراتيجية الوطنية للتعليم العالي، والإستراتيجية الوطنية للمرأة والإستراتيجية الوطنية للطفولة، والإستراتيجية الوطنية للتنمية الزراعة، والإستراتيجية الوطنية للطاقة والإستراتيجية الوطنية للشباب وغيرها الكثير من خطط العمل والسياسات، و برنامج إصلاح القطاع العام وبرنامج تعزيز الإنتاجية وبرنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي التي تنفذ من قبل وزارة التخطيط.
وارتبطت تلك الاستراتيجيات بعملية تغيير الوزير والمدير لتلك المؤسسات، أو حتى تغيير الحكومة بشكل عام، إذ أن تغييرها يعني تغييراً كاملاً في طريقة الإدارة وانقطاع تام عن الخطط الموضوعة في عهد الوزير السابق، بينما في وزارات ومؤسسات أخرى كان يتم اتخاذ القرار بدوافع ومعايير شخصية وحسب المصلحة وبدون أدنى اعتبار للاستراتيجيات والخطط التي تبقى حبراً على ورق.
إذ لا بد من اعتماد أجندة وطنية ملزمة لكل الحكومات لضمان استدامة التخطيط وهي تطور نوعي في التخطيط الإداري والقطاعي، ولكن العنصر الرئيسي في نجاحها هو طريقة العمل، وقدرة الأجندة الوطنية على استيعاب وتضمين أهم المبادئ والعناصر والتوصيات الموجودة في الاستراتيجيات الوطنية الحالية وعدم اختراع العجلة من جديد، وعدم تركها حبراً على ورق تعرض كإكسسوار أمام الجهات الدولية والإعلام، كل هذا أدى إلى ترسيخ الفقر وتوطينه على مستوى الوطن.