سلّم على الوالد

مدار الساعة ـ نشر في 2017/02/21 الساعة 09:19
* محمد عبدالكريم الزيود

يقول الابن الصغير للمسؤول الكبير :" اللي مش عاجبه البلد ينقلع " .. على هونك يا صغيري ، ومسرور أنك نطقت " البلد " بالعربية ، وليس بالعربيزي ، مسرور أنك تدافع عن ملك أبيك وكرسيه ، وأن البلد بالنسبة لك مزرعة للوالد ، فنحن بنظرك ونظر أبيك وجدك متطفلون على رزقة " الوالد" أيضا..

متى أنت عرفت البلد ..!! سؤال سخيف مني فاحتمله .. هل درست في مدارسها الباردة صفوفها.. هل أكلت من عدسها وفقرها وقهرها.. هل أصطففت يوما على باب مخبز أو صيدلية.. أو على شباك صرّاف آلي آخر الشهر وقد تمزقت جيوبك وإنكسرت عيونك أمام حاجات أطفالك .. هل عرفت معنى الظلم وأنت تصطف على دور الخدمة المدنية وترجع للوراء وليس للأمام وهم يسرقون وظائفنا ومستقبلنا .. هل إصطففت لتدفع مخالفة لسيارتك ونحن الذين لم نصطف يوما مزدوجا حتى في مواقفنا الوطنية أو نزدوج بالجنسية... بالمناسبة : هل تعرف "خو" ؟!

يا معالي الصغير "الوزير" القادم أو ربما " السفير " .. لا يهم ذلك ما دامت النمرة حمراء مدموغة على سيارتك .. ومدموغة على جباهنا أن نطيع ونحب الوطن لتعيش أنت برخاء ورفعة .. نعم نحن من نعرف البلد ، نعرفها شارعاً شارعا .. مارساً مارسا .. تلماً تلما .. نعرف تعب آبائنا وصبرهم .. ونعرفها عندما سكبوا عرقهم ودمهم ليحموها ويبرّدوا شوارعها .. نعرف شيحها وزعترها ودحنونها وخبيزتها وكعّوبها .. نعرف الفروسية والمروءة التي لا يعرفها أمثالك .. ونعرف مجالس الرجال التي لا يجلس بها مثلك ويختبؤون من صوت مهباشها ورجالها ، وصهيل خيلها ... ونعرف معاذ وراشد وسائد الذين أحبوا البلد ودافعوا عنك وعنا بدمهم.

لا عليك يا صغيري.. أعرف أني تكلمت بلغة لا تفهمها.. تريدني أن " انقلع من البلد " .. إصبر علي كما تصبر على ثلاثة ملايين مهاجر ووافد .. يشاركونني في خبزي ومائي ومدرستي .. بل أدفع أنا كل ضرائب الدنيا وهم يتنعمون بالمساعدات وبكاء منظمات الأن جي أوز .. وتحاولون معهم سرقة ما تبقى من خبزنا ، ومكارم تعليم أبنائنا .. وتشجيعهم للإلتحاق بالتعليم المهني فنحن لنا الطوبار والسباكة ولأبنائكم جامعات أوروبا والمناصب التي تنتظرهم والتي خلقت لهم ، ولنا مهن الحراسة والخدم والعبيد.

الكلام يطول.. وما زلنا نركب نفس الحافلة.. وتريد منا أن "ننقلع " لأننا قلنا إرحمونا من رفع الأسعار والفساد ، وإرحموا ضعفنا وجوعنا وربما بصوتنا أزعجنا سائقك وخادمتك ... لكن تعلم وأعلم أنك عند أول منعطف خطر ستترك الحافلة أنت وأبوك ، و ستركبان أول طائرة بتذكرة بلا عودة ..ونبقى نحن تحت رحمة ربنا .. ولكن تذكر أن للبيت رباً يحميه .. وإقرأ التاريخ جيدا وأعرف أنك تدرس الموسيقى بديلا عنه .. إقرأ يا صغيري أن الشعوب لا تقهر ولا تنهزم .. وأنها قلعت الظالمين من إستوطوا حيطها وركبوها ملط حتى وإن طال الطريق.

وسلّم على الوالد .
  • عربية
  • عرب
  • تقبل
  • وزير
  • رحمة
مدار الساعة ـ نشر في 2017/02/21 الساعة 09:19