العلاقة الأردنية - السورية ... مقاربة هادئة
أثار افتتاح معبر نصيب بين الأردن وسوريا، موجة ارتياح واسعة في أوساط غالبية الأردنيين والأردنيات، واحتفى الناس في مجالسهم وعبر صفحات التواصل الاجتماعي بهذا التطور «النوعي» في الأزمة السورية والعلاقات الثناية بين البلدين الجارين ... ردة فعل الأردنيين، كانت متوقعة، بالنظر لعمق الروابط الاجتماعية والثقافية التاريخية بين الشعبين، وإن كانت لها أسبابٌ أخرى، أهمها اثنان: الأول؛ إحساس الأردنيين عامة، بأن فتح الحدود هو «الإعلان الرسمي» عن وقف نزيف الدم السوري الذي كان يؤرق مضاجعهم ويدمي قلوبهم، بصرف النظر عن انحيازاتهم السياسية والعقائدية ... والثاني؛ رغبتهم التوّاقة للخروج من عنق الزجاجة وأطواق الحصار المضروب حولهم هم كذلك، وظناً منهم أن فتح الحدود سيسهم في حل مشكلهم الاقتصادي المتفاقم.
بالطبع، لم يخل الأمر من أصوات رافضة لقرار فتح الحدود ومنددة به ومشككة بجدواه ... كثرة من هؤلاء من المحسوبين على التيارات الإسلامية، التي ناصبت النظام في دمشق، أشد العداء، قبل اندلاع الأزمة السورية، وبالأخص بعدها، وعبثاً حاول هؤلاء تذكير الأردنيين بـ»الجرائم» والمقارنة بين عبورهم السهل إلى الداخل السوري وحرمان اللاجئين السوريين من هذا الحق، بل وإشاعة العديد من القصص عن عائدين سوريين سرعان ما لقوا حتفهم عندما انتهت بهم أقدارهم بين يدي النظام.
في المقابل، ثمة تيار «عقائدي»، يساري – قومي كان الأشد حماسةً لفتح الحدود، ولطالما استعجل نشطاؤه قرار فتحها، ولطالما نددوا بالمماطلة والتلكؤ الحكوميين في إعادة وصل ما انقطع مع دمشق ... هذا التيار، لا يكتفي بالمطالبة بـ»تطبيع» العلاقة مع سوريا، وبالتدرج كما يشف السلوك الحكومي الأردني ... بل ويدعو لتأسيس حلف مع سوريا (وحلفاء سوريا)، باعتباره الضمانة لأمن الأردن واستقراره في مواجهة صفقة القرن وتداعيات المحتملة، ومخرجاً مناسباً من الضائقة الاقتصادية، على اعتبار أن «الترياق» بات يأتي من دمشق وليس من العراق، أو غيره، وفقاً لهؤلاء.
والحقيقة أن الغالبية العظمى (التيار المركزي) من الأردنيين والأردنيين، لم تنجرف صوب أي من القراءتين «الأقصويتين»، ودفعها حسها الغريزي للتموضع في منزلة وسط بين منزلتين ... فهي مع تطبيع العلاقة مع دمشق، ولديها رغبات وتطلعات تأمل تحقيقها، بيد أنها لا تأخذ على محمل الجد، حكاية إسقاط صفقة القرن من دمشق، وليس من رام الله وغزة وعمان، ولا تعتقد أن اليرموك سيلفظ مياهه الشحيحة على أية حال، ليستبدلها باللبن والعسل.
كاتب هذه السطور من الذين دعوا واستعجلوا إطفاء قضايا الخلاف مع دمشق، وتطبيع العلاقة معها، من منطلق أن للأردن مصالح يتعين حفظها وتعظيمها، دونما انتظار لإشارة تصدر من هنا، أو لتطور ينبعث من هناك ... فبعد انكسار جبهة الإرهاب والفوضى في الجنوب، لم يعد ثمة من مبرر للتردد في تطبيع العلاقات مع سوريا، بل وقبل ذلك، دعونا لفكرة «المناطق الآمنة التوافقية»، وفي مناسبات عدة، بالتنسيق مع دمشق، وبما يسرع في استعادة الدولة لسيادتها على محافظات الجنوب السوري الثلاث.
لا يعني ذلك أن تتفق بالضرورة مع النظام ولا أن تصدّق على سياساته وممارسته، فنحن نقيم علاقات مع دول شتى، بعضها يمارس إرهاب الدولة المنظم (إسرائيل) وتجثم باحتلالها وتهديداتها على صدورنا وضمائرنا، وثمة دول أخرى، لا نؤيد نهجها السياسي، كما أنماط الحكم في الجارة الشمالية.
ولم نأخذ على محمل الجد، أن الطريق لاستعادة الحق الفلسطيني واستعادة القدس وإسقاط صفقة القرن، تمر بدرعا أو القصير أو الغوطة ... كما أننا لم نطارد خيوط الدخان ووعود الرفاه الاقتصادي ... فسوريا ذاتها، ستحتاج لسنوات وعقود قبل أن تصبح قضية استعادة «جولانها المحتل» أمراً مطروحاً وجدياً، وسوريا نفسها، بحاجة لمئات مليارات الدولارات «المحبوسة في علم الغيب» من أجل إعادة إعمار ما خربته سنوات الحرب الثماني العجاف ... وليس منتظراً لفاقد الشيء أن يعطيه.
بيد أننا ونحن نسعى في تبديد «شطط الأفكار والرهانات»، لا تغيب عن بالنا، الأهمية الكبرى لفتح المعبر واستعادة العلاقات على اختلاف مجالاتها وميادينها ... يكفي إن يخرج الأردني من أسر «الحصار النفسي» الذي عاشه في السنوات الأربع الأخيرة ... يكفي أن تجد مناطق شمالية في الأردن، نافذة للفرج والخروج من الاستعصاء ... يكفينا أن تهديد الإرهاب القادم من الشمال، بات عموماً، وراء ظهورنا، ويكفي أن أكثر من مليون لاجئ سوري في الأردن، باتوا يتوفرون اليوم على فرصة جدية للعودة إلى ديارهم، وذلكم إنجاز إن تحقق، للأردن وسوريا سواء بسواء، يستحق أن يجري العمل عليه ليل نهار.
الدستور