«العطوة البرلمانية» بين دمشق وعمان
على غرار ما يحدث في المجتمع الأردني، قام وفد برلماني يقوده النائب المخضرم عبدالكريم الدغمي والذي يمثل الوفد بوزنه دون حاجة لغيره، حيث قام الوفد بمقابلة الرئيس الأسد ووزراء في الحكومة وأعضاء في مجلس الشعب، وأجروا محادثات إستكشافية لجس النبض المباشر لتقييم العلاقة المستقبلية ما بين عمان ودمشق فيما بعد عودة النظام الأسدي لمربعه القيادي في دمشق حسب نظرية النفس الطويل، ومن المؤكد أن الزيارة كانت بمباركة رسمية لإمكانية أخذ «عطوة سياسية» بين الدولتين،على غرار الفكر الرسمي الأردني في التعاطي مع قضايا الخلاف الداخلي.
سوريا دولة محظوظة بقياداتها، آكان ذلك في حجم الدهاء لدى مسؤوليها في الحكومة،أو في مستوى التفكير لدى قيادتها بالتحالفات مع الدول الكبرى والقوية المعاكسة للمعسكر الغربي، خصوصا الولايات المتحدة التي سرعان ما تنقلب على حلفائها المتقلبين، وهذا ما ظهر خلال السنوات الثمانية الماضية، حينما سمح الرئيس الأسد ومجموعة القيادة بدخول جيوش فاتكة للمساعدة في مواجهة الجماعات المسلحة وقوات المعارضة، وعلى رأسهم روسيا بسلاحها الجوي ومنشاتها وكبار ضباطها، وكذلك إيران بما حشدت معها من مليشيات طائفية يقودها حزب الله اللبناني، فيما تنظيم داعش منح غطاء لجميع القوى العالمية لإسناد النظام بطريقة غير مباشرة في قتاله.
سوريا اليوم ليست سوريا الأمس،والعلاقات معها لن تكون متوفرة بسهولة، وتحتاج الى أكثر من وفد برلماني يضم شخصيات قد لا تمتلك الخبرة الإقتصادية ولا الدهاء السياسي، رغم حاجة النظام السوري أن يفتح بوابة جنوبية مع الأردن كي لا يبقى جزيرة معزولة برياً، والأردن الذي دفع ثمنا قاسيا جراء صراع لم ينتج عنه إلا المزيد من الإختناق للإقتصاد والتلاعب به سياسيا وأمنيا خلال السنوات السابقة حسب باروميتر العلاقات العربية العربية والأميركية العربية، وهذا يتطلب مفاوضات على مستوى عال من قبل الحكومة، وزراء النقل والطاقة والتجارة والصناعة والزراعة والداخلية والمياه، لإعادة ترتيب مصالح الجوار بين البلدين بوضوح.
في شباط 1957 عقدت قمة رباعية في القاهرة ضمت فضلا عن جمال عبدالناصر، الملك الحسين الذي كان للتو قائدا لبلد لم يخرج من تحت العباءة الإنجليزية، والملك سعود بن عبدالعزيز و شكري القوتليّ الرئيس السوري الذي تنازل عن الحكم لصالح عبدالناصر بعدها بعام حيث أعلنت الجمهورية العربية المتحدة 1958 ، وكان الهدف الرئيس هو مناقشة خطة الرئيس الأميركي « دوايت أيزنهاور» ضد نظام عبدالناصر فيما عرف بالخطة ( أوميغا) لدفعه كي ينفصل عن الإتحاد السوفييتي والمعسكر الإشتراكي، ومع أن الخلاف بين الملك الحسين وعبدالناصر واضح حتى قبل حلف بغداد، فإن النظام الأردني أدرك أنه لن يستطيع أن يعيش معزولا عن محيطه العربي رغم الحرب الباردة من الأشقاء ضده، لهذا لم يقطع حبل الوصل مع الجارة الشمالية سوريا رغم سيطرة نظام عبدالناصر عليها تماما.
اليوم تسيطر إيران في بعض المفاصل السياسية والعسكرية والإقتصادية، وقد أصبح لها منفذبحري مطل على البحر الأبيض المتوسط، ووجودها الذي يحمل غطاء شعبيا في سوريا بات مدخلا لتوسيع مصالحها غربا، وتصاريح النفط المجتزئة من العقوبات الأمريكية يمكنها الوصول عبر العراق الى شمال الأردن، والتجارة لم تنقطع مع سوريا، بل إنه من اليوم الأول تدفقت البضائع السورية عبر حدودنا، وهذا ما يدفع بالتفكير المنطقي نحو التعاطي الحذر مع مصالح الشعب الأردني الذي باتت غالبيته لا تستطيع توفير متطلبات المعيشة اليومية، وحُزم الفواتير الحكومية تزيده رهقا، وعلى المطبخ الرسمي أن يفكر أسرع بإخراجنا من المأزق الذي أدخلنا فيه دون أن نفهم شيئا.