ابو زيد يكتب: دولة الإنسان بين النظرية والتطبيق

مدار الساعة ـ نشر في 2018/11/24 الساعة 19:01
يطرح الدكتور عمر الرزاز أولويات حكومته خلال عامين، مُحَـدِّدًا إطارًا فكريًّا لبرنامج عمله ومُـستَـمِّـدًا الثقة الشعبية لتتويج مسيرة عمله. وإذ يحدد بشكل واضح أنَّ مصدر الثـقة والشرعية الرسمية بالأساس من مجلس الأمة بِـشِقَّـيْه، إلا أنَّه يصر على أنَّ مصدر إلهامه وإصراره على النجاح هو الشعب، غير متغافل عن ثقة جلالة الملك، وعن تقديره الكبير لرؤية جلالته وفِـكـره الخلَّاق. وهنا، وعند الحديث عن الحاجة لإنتاج نموذج أردني جديد يحقق مشروع النهضة الوطني اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا، فإننا فعليًّا نطرح فكرة نظرية متكاملة الأبعاد تحقق للمثلث النظري المجرد أركانه الأساسية في قضايا المجتمع كافة، بما يمكنه من المواءمة بين جميع الأبعاد في سياق متناسق واحد قابل للتطبيق، ولذلك فإن الضرورة التاريخية تحتم طرح هذا النموذج التوافقي نظريًّا؛ لإعادة إنتاج شكل الدولة في سياق عصري يأخذ بعين الاعتبار موروثها السياسي والثقافي والاجتماعي في مئوية تأسيسها، وقد خطَّت يد قائدها خارطة الطريق لبداية التصحيح في مفاهيم العمل والإنتاج، وقدمت دليلًا للحياة من خلال أوراق الملك النقاشية التي شكلت مدخلًا فكريًّا يضاف إلى مجموعة الخطابات والتوجيهات الملكية في عهد الملك المعزز عبد الله الثاني ابن الحسين.

إن الضرورة التاريخية لإنتاج هذا المشروع النهضوي الوطني يسعى بالتأكيد إلى إعادة الثقة بين المواطن والدولة بكل مؤسساتها وأساسها سيادة القانون، والتأسيس لحياة ديمقراطية تشاركية، وتداول سلمي للحكومات، واقتصاد إنتاجي بدلًا من الاقتصاد المعتمد على الهبات والعطايا والمنح. ولكن الأساس في طرح هذا النموذج وهذه النظرية هو الحاجة إلى التقدم إلى الأمام، ومغادرة حالة الانكفاء على الذات، والانتقال إلى دولة الإنسان المعاصر ذات المنظومة القيمية السامية والثقافة التجديدية المستندة إلى الدين والعرف السوي والأصالة، وهنا فإنه لا حاجة بنا للعودة إلى الوراء وتكرار الحديث عن الواقع المعاش الذي أثبتت التجربة أنَّ تطوره هجين وفشله محقق، وهذا ما توصل إليه كل المنظرين بعد ثبوت الخلل البنيوي في نموذج الدولة الريعية التقليدية سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا على المستويات كافة، والحل هنا يكمن في ديمقراطية عصرية تحل أزمة الديمقراطية التقليدية الهجينة، وتقدم أنموذجًا اقتصاديًّا إنتاجيًّا، وتعلمًا إبداعيًّا قائمًا على الموهبة واستثمار الموارد البشرية في إطار استراتيجية وطنية ودولة تكافل وتضامن اجتماعي. إن دولة الإنتاج والمؤسسات والقانون والتكافل والإبداع والاستثمار في دولة الإنسان الخلاق، هي دليل نظري اقتصادي وسياسي واجتماعي لحل المشكل الديمقراطي عبر إيجاده أداة الحكم التي تعبر عن الشكل السياسي في فكرة خلاقة تمثل العلامة الفريدة والفارقة في هذا المنهج، ففكرة المشاركة تشكل توقعات مستقبلية لتطور أنموذج الديمقراطية للصورة المثلى، وهي السياق الذي يؤثر في الشكل الاجتماعي والاقتصادي المنشود أمام النظريات التقليدية، وهي الناظم للديمقراطية الزائفة وحياتها الحزبية البائسة، وهي الحل لقطاع الخدمات المتهالك ومنهج في الارتقاء بها ودليل عملي لكل باحث عن الإبداع والإنجاز. إننا في كل مراجعة موضوعية لأسباب تدهور النهضة العربية أو الوطنية تحديداً، لا يكفينا التبرير المعتاد بالتأشير على مسؤولية النمط التقليدي للسلطة والديمقراطية؛ بوصفه المانع الأول في طبيعته لنشأة التجمعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المستقلة عنه؛ إذ إنَّ الوضع البنيوي التاريخي لا يحتاج لبرهان أو إثبات، ولكنه إطار للمراجعة في إطار التقييم الكلي للحالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المطبقة التي تتحمل صراعات المنطقة وتوزيع الثروات فيها، وطبيعة التحالفات مسؤولية كبيرة في إطارها، ومن جهة أخرى فإنَّ للنظام الاقتصادي دورًا في هذا الاتجاه، بمعنى أن الفقر قد قضى في العالم الثالث على البدائل السياسية الحقيقية، لأن الدول التي تعاني من عبء الديون تكافح من أجل إيجاد طرق لتسديد ديونها، وتصبح بالتالي عملية البديل الحقيقي في آخر قائمة الأولويات، ويصبح الانتقال من نموذج التخلف إلى نموذج عصر الصناعة الرابع محل شك، إلا إن تم الاستناد إلى مفهوم التغيير كطريقة عمل ذات محددات ثقافية وتكنولوجية إبداعية قائمة على الاستفادة من الموارد البشرية ومفاهيم الهندسة التحويلية، والانتباه إلى أن خطوط إنتاج المستقبل تتطلب تكنولوجيا تقنية على حساب المورد البشري، وهو ما يعني ظهور حِرَفٍ ومِهَنٍ واختفاء أخرى، وما يعني تسريع تطوير مفاهيم التعليم التقني والحِرفي ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة بمشاركة كاملة من القطاع الخاص الوطني ورأس المال العالمي، وذلك في بيئة استثمارية آمنة ومحفزة بما يتوافق ومفاهيم المستقبل، ويحتم بالضرورة الاستثمار بالموهبة والإبداع كنموذَجْي فنلندا وسنغافورة، وإلا فإننا سنبقى بعيدًا عن سهم التقدم والحضارة. من هنا، فإنَّ السعي إلى تحسين الإنتاجية برفع كفاءة العامل والمؤسسة يتطلب التفكير بكيفية ذلك لتتضافر عناصر الإنتاج بتطبيق العمليات الإنتاجية ضمن بيئة القناعة بجدوى ذلك، وهو مشاركة الجميع في مؤسسة الدولة، حيث سيؤدي الفرد عمله على أكمل وجه ممكن، وكما ينبغي له في إطار الرغبة المتحققة من المشاركة السياسية، وفي أجواء من الإيمان المطلق بقيمة الفرد في النظام السياسي، فترتفع قيم النمو والإنتاج، ولذلك العديد من الآثار الإيجابية التي تنعكس على جهات عديدة أولها الفرد، فإذا ما تحسنت الإنتاجية ارتفع دخل الفرد، وتحسن مستواه الاقتصادي، كما أنَّ لتحسين الإنتاجية أثر مهم في المؤسسة نفسها؛ إذ يرفع ذلك القدرة التنافسية لها، من خلال قدرتها على خفض الأسعار، الأمر الذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة حجم الأرباح ومضاعفتها، ورفع قدرها، ومكانتها في السوق. كما أنَّ آثار تحسين الإنتاجية تطال الدولة أيضاً؛ إذ ستصبح الدولة رقماً في الأسواق العالمية، وسترتفع قيم صادراتها، وتنخفض قيم مستورداتها، وتتحسن أوضاع مواطنيها، الأمر الذي سيؤدي إلى خفض المشكلات في المجتمع، وسيادة الأمن، والسلام بشكل كبير، وهو الأمر الذي يحقق دولة الإنسان على مستويات الاقتصاد والسياسة والاجتماع، بفروع التعليم والصحة والنقل وغيرها من القطاعات التي ستتحسن نتاجاتها. وعودًا على بدء، فإنَّ الديمقراطية التي نريدها ضمن هذا المنهج النقدي هي الديمقراطية التي تمثل شكلاً متقدمًا من أشكال الممارسة السياسية والاجتماعية، وتعبيرًا عن التطور الحضاري والثقافي للمجتمع، وهي لا تقوم على مبدأ تقديس الأفراد، بل هي تقيم وزنًا للمؤسسية القابلة للتجدد والتطور، والكفاءة والقدرة على تمثيل مصالح الشعب من خلال قانون انتخاب عصري حقيقي قائم على البرامج والكتل وليس الأفراد، وهي الأساس الذي يتمكن فيه الجميع من ممارسة حقهم في السلطة تشريعاً، وفي تداول الحكومات تنفيذاً. والديمقراطية الحقيقية هي التي توفر كل الحقوق وليس بعضها، كما توفر الحريات السياسية والمدنية للشعب، وما دمنا نتحدث عن تغيير في المفاهيم، فلا بد للمجتمع الساعي نحو الديمقراطية التي نتحدث عنها من نظرية ثورية تحدد له الطريق الذي يحقق فيه الديمقراطية المنشودة؛ فالتغيير الجذري مرتبط بالتخطيط الإستراتيجي الذي يمس جميع جوانب الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وينتقل بها مرة واحدة نحو الهيكل الجديد الذي ينسجم والحرية الحقيقية، وتُـشبَعُ فيه الحاجات وتتحقق الديمقراطية بأبهى صورها، فالأمر يتعلق بتغيير المجتمع، وتغيير المفاهيم، وتبديل شكل الأنشطة السياسية والاقتصادية؛ لأنَّ التغيير إلى دولة الانسان ليس عملاً مؤقتًا بل مشروعًا نهضويًّا ناجزًا. وأخيرًا وليس آخرًا، فإننا عندما نؤسس لمشروع النهضة الوطني نتحدث عن تحولات مهمة في البناء الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وقد بدأنا في الأردن فعلاً بالتحول في هذه البنى من خلال الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية 2016 – 2025، التي ستتيح للمملكة تحقيق أهداف التنمية المستدامة في ما لو ترافقت مع مشروع النهضة الشمولي للتحول إلى دولة الإنسان الناجزة، التي ستنعكس على التطور في مختلف الأصعدة، وستضمن للأجيال الحالية والقادمة القدرة على تطوير القدرات والمهارات الضرورية؛ لضمان رفاه اجتماعي من خلال العمل بتعاون وثيق لتحقيق الطموحات بالوصول إلى أردن مزدهر قادر على التكيف مع المتغيرات العالمية والتحديات الداخلية والخارجية، والتي ترسم طريقًا للمستقبل وتحدد الإطار العام المتكامل الذي سيحكم السياسات الاقتصادية والاجتماعية القائمة على إتاحة الفرص للجميع. إنَّ المبادئ الأساسية لتعزيز سيادة القانون، وتكافؤ الفرص، وزيادة التشاركية في صياغة السياسات، وتحقيق الاستدامة المالية وتقوية المؤسسات، تتحقق من خلال رفع مستوى البنية التحتية، ورفع سوية التعليم والصحة، وتحقيق الاستقرار المالي القائم على الاستدامة المالية، وتحقيق الاعتماد على الذات، وتعزيز الإنتاجية وتنافسية الاقتصاد الأردني، والخروج التدريجي من جميع أشكال الدعم العشوائي، واستهداف الفئات المستحقة للدعم مباشرة، إضافة إلى تعزيز دور القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني للمساهمة في العملية التنموية؛ فهذه الرؤية تضع المواطن الأردني في قلب العملية التنموية، ويحتاج ذلك إلى منظومة تشريعية متكاملة في مفاصل الحياة؛ إذ يقاس النجاح والفشل استنادًا إلى مدى توافق التشريعات مع الخطة المرسومة للنهوض الوطني، وخطط تنفيذها وانعكاسها على الخدمات وتحسين حياة المواطنين، وبالتالي رفاه المجتمع.حياة المواطنين، وبالتالي رفاه المجتمع.
  • الملك
  • اقتصاد
  • قانون
  • المنح
  • ثقافة
  • الدين
  • تقبل
  • صورة
  • عربية
  • قائمة
  • لب
  • يعني
  • مال
  • صحة
  • الأردن
مدار الساعة ـ نشر في 2018/11/24 الساعة 19:01