طنّش كي تعيش

مدار الساعة ـ نشر في 2018/11/22 الساعة 00:16
الحياة مليئة بالمنغّصات والكروب والأحزان، ولا يكاد يخلو اليوم الواحد من أمور كثيرة تثير الإنسان وتوتر أعصابه، وتدخل الحزن على قلبه، وتجعله يعيش في كآبة بلا حدود. والحلّ الأمثل لكل تلك المشكلات والمصائب أن يقابلها الإنسان بالصبر والرضا والتطنيش.
لو جلس أحدنا أمام شاشة التلفاز ليشاهد إحدى القنوات الإخبارية الفاضلة أو غير الفاضلة، وشاهد الكمّ الهائل من الأخبار المحزنة والمخزية والكئيبة، ورأى الدماء التي تسيل في الشوارع، والجثث المتناثرة على الأرصفة، والبيوت المهدّمة، والأمهات الثكلى التي تبكي وتصيح، والأطفال الجائعة المعدمة، سيصاب بلا شك بارتفاع ضغط الدم، الذي يعتبر طريقا سالكا بسهولة إلى مقبرة سحاب.
ومن كان (ناصحا) وأقفل التلفاز وجلس مع زوجته العزيزة التي تبدأ ببثّ نشرتها الخاصة والحصرية، فلان اشترى لزوجته عقدا ثمينا؛ لأنه يحبها، وفلانة اشترت حقيبة تأخذ بالألباب، أما جارتنا أم فلان فزوجها يحضر الغداء من المطعم يومين في الأسبوع، ومن المعلوم أن كلّ خبر معناه: واسمعي يا جارة، أو خلي عندك إحساس وتلحلح، وهزّ هلالك، فإن جعلت من نفسك غشيما أو عبيطا، وأخذت تهزّ رأسك، ستكشر أم العيال عن أنيابها، وتقول لك بعبارة واضحة صريحة لا تحتمل التأويل: خلي عندك دم، وأحضر لي ما يحضره الرجال لزوجاتهم، فإن قلت: لا مال عندي، ستقول: إنه حظي الزّفت وأنا أعرفه، إنت غلطة عمري، وسبب بؤسي، ومن يوم ما شفتك وعرفتك، لم أر إلا الفقر والمذلة، حسبي الله عليك، عندها لا شك سيرى الزوج الغلبان الدماء تغلي في رأسه؛ ليكون مستعدا لجلطة في الدماغ توقف نصفه، وتتعب نصفه الآخر.
ومن جلس مع الأولاد، سيراهم يقفزون من أمامه وخلفه، وعن يمينه وشماله كالشياطين، هذا يضرب ذاك، وهذا يشتم الآخر، وهذا يشدّ شعر ذاك، والكبير يدوس في بطن الصغير، وكأنه في غابة، القوي فيها يأكل الضعيف، والصراخ يملأ المكان، فيصاب الوالد المسكين بالدوار والغثيان.
فإن اعتزل الإنسان وجلس أمام حاسوبه أو جواله الذكي، وتابع وسائل التواصل الاجتماعي، ورأى المنسوب المرتفع من خطاب الكراهية، والكم الهائل من الأخبار المزيّفة والكاذبة، والتفاهات والهيافات، ومشاركات بلا لون أو طعم أو رائحة، وتسجيلات فيها تعدٍّ على الخصوصيات، هذا مصاب من حادث، وذاك خرج من غرفة العمليات، وهذه صورة الشخص الذي مات، لا شك أنه سيصاب بالسكري الذي لا يعرف شفقة أو رحمة.
العلاج الوحيد لكل ما سبق أن يتحلى الإنسان بالصبر والرضا والتطنيش، أما قالوا قديما: طنّش تعِشْ تنتعش، والنصيحة بجَمَل.
الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2018/11/22 الساعة 00:16