في العاصفة الإلكترونية لتقرير المحاسبة!

مدار الساعة ـ نشر في 2018/11/19 الساعة 00:34
تمطر الحكومة بصورة شبه يومية تقريبا منذ نحو أسبوعين وسائل الإعلام بقرارات لرئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز، يحيل فيها قضايا ومخالفات مالية وإدارية وردت بتقرير ديوان المحاسبة للعام 2017 الى القضاء أو هيئة النزاهة ومكافحة الفساد او لمؤسسات رسمية أخرى، بناء على تنسيب لجنة رسمية تتعاون تفصيليا مع مجلس النواب.
قبل نحو اسبوعين تشكلت ما يمكن تسميتها بعاصفة الكترونية بعد نشر تفاصيل تقرير ديوان المحاسبة اثر تسليمه لمرجعيته الدستورية وهو مجلس النواب، عبر ضخ وتداول عشرات الاخبار وعشرات آلاف التعليقات والانتقادات الشعبية لحجم ونوع المخالفات والقضايا التي تضمنها التقرير. وما هي إلا أيام حتى انطلقت من بيت الحكومة عاصفة الكترونية شبيهة، بأمطار الإعلام ومواقع التواصل بالقرارات الحكومية بإحالة أكثر من أربعين قضية ومخالفة من أصل 75 وردت بتقرير "المحاسبة" للجهات المختصة للتحقيق والمحاسبة، وأيضا لتحصيل أموال عامة أو استردادها، وذلك بناء على مراجعات وتدقيق اللجنة الرسمية المذكورة.
تصريحات الحكومة ورئيس اللجنة المختصة التي يترأسها امين عام رئاسة الوزراء سامي الداود، تؤكد أن المراجعة والمعالجة ستطال كل المخالفات الواردة بتقرير ديوان المحاسبة، بعد التثبت من دقتها ومخالفتها للأنظمة والقوانين، وهو أمر يعكس جدية حقيقية من قبل الحكومة في التعامل مع ملف الفساد وتقارير ديوان المحاسبة، ومع الانتقادات التي وجهها الرأي العام للاداء الحكومي على خلفية هذا التقرير.
التقييم الموضوعي للخطوة الحكومية على هذا الصعيد يصب في صالح حكومة الرزاز، حيث تعاملت بسرعة وشفافية مع تقرير ديوان المحاسبة، وضمن إجراءات وقرارات ملموسة، والأهم من ذلك هو مستوى الحساسية الايجابية بتعامل الرئيس الرزاز مع انتقادات ومطالبات الرأي العام، خاصة في قضية حساسة شعبيا هي الفساد ومكافحته.
إلا أن المنتظر من الحكومة والرزاز، على هذا الصعيد، هو أكثر بكثير من هذه القرارات والاجراءات المباشرة في التعامل مع تقارير ديوان المحاسبة وما يرد فيها من مخالفات، فالمطلوب التأسيس لآليات عملية وشفافة بالتعامل مع المخالفات والملاحظات والأسئلة التي يوجهها الديوان للمؤسسات والوزارات أولا بأول، ومنح الديوان صلاحيات أكبر في التدخل والتصحيح بالعمل اليومي لهذه المؤسسات، وقد يتطلب ذلك تعديلات على قانون الديوان ذاته.
الرئيس الرزاز تعهد بوضع معايير وأسس جديدة للتعامل والتعاطي مع تقارير ديوان المحاسبة في الرقابة على المال العام، ومن ضمن ذلك الوصول إلى اعتماد تقارير ربعية بدل سنوية، ما يمكن من تفعيل آليات الرقابة والمحاسبة والحضور لديوان المحاسبة. ولا بد من تفعيل التشبيك وآليات التنسيق والتكامل بين "المحاسبة" وبين باقي الجهات المعنية بمكافحة الفساد والرقابة على المال العام، ليكون الإنجاز والأداء أكثر شمولية وفعالية وسد العديد من المنافذ التي يدخل منها فاسدو الذمة للتطاول على المال العام.
كذلك، فإن إشراك ممثلين عن مجلس النواب في متابعة معالجة الحكومة للمخالفات الواردة في تقرير ديوان المحاسبة هي خطوة موفقة وإيجابية من قبل الحكومة، وتعزز الشفافية وتعكس الجدية بالمتابعة والتصحيح، وهو تعاون وتنسيق مطلوب تعميمه في كل ما يتعلق بمكافحة الفساد المالي والإداري، على طريق الحد منه.
رغم كل الملاحظات والتحفظات على الأداء الحكومي في غير ملف وجانب، فإن اندفاعها الأخير وبكل شفافية بالتعاطي الحاسم مع ما ورد بتقرير ديوان المحاسبة من مخالفات وتجاوزات يستحق الاشادة والتأشير، ونتمنى تعميمه على مختلف الملفات التي تشتبك معها الحكومة والمواطنون يوميا. الغد
مدار الساعة ـ نشر في 2018/11/19 الساعة 00:34