بني سلامة يكتب: الأردن على فوهة بركان والحل حكومة انقاذ وطني

مدار الساعة ـ نشر في 2017/02/19 الساعة 21:33
* د. محمد تركي بني سلامة

من العبث عودة أيًّ من وزراء حكومة الملقي إلى أي حكومة مستقبلية

يشكل الحراك الشعبي الذي أشعل شرارته مجلس النواب الأردني بتخاذله عن الوقوف الى جانب أحد اعضائه البارزين احد مظاهر التغييرات العميقة التي شهدتها المؤسسة البرلمانية منذ اعتماد قانون الصوت الواحد الذي تغير شكله دون أن يتغير مضمونه حتى اليوم, فالبرلمان خسر هيبته منذ زمن طويل ولم يعد مؤسسة معنية بالرقابة والتشريع ووضع السياسات, كما فقد استقلاليته وفشل في تمثيل الارادة الشعبية وتحول الى ذراع للحكومات مانحاَ لها الثقة ومدافعا عن قراراتها وسياساتها التي تنفرد فيها بالرأي والقرار والحكم واصبح البرلمان خصما للشعب لاسيما عندما يمارس اعضاؤه سلوكيات لا تمت للديمقراطية بصلة، ويقدمون المصالح الشخصية والضيقة على حساب المصلحة الوطنية والاعتبارات العامة.

النائب الدكتور صداح الحباشنة مارس حقه المشروع في التعبير عن رأيه بالحكومة وطالب برحيلها وهذا موقف سياسي للنائب، جاء رد الحكومة عليه بانسحاب رئيسها من الجلسة بذريعة ارتبطات اخرى، وهذا اخفاق سياسي كبير ودليل واضح على ضعف الرئيس وضحالة تفكيره وعدم قدرته على المواجهة والرد وانه ليس برجل المرحلة، على العكس تماما مما كان يتصرفه رؤساء حكومات تعرضوا لانتقادات اشد وأسوأ من اعضاء مجلس النواب مما تعرض له الملقي من امثال مضر بدران وطاهر المصري وعبد الكريم الكباريتي وعبد السلام المجالي.

مجلس النواب كان موقفه أضعف من موقف رئيس الوزراء ومارس سلوكاً مخجلاً فأصبح مكشوفاُ وعارياً امام الجماهير الشعبية التي هبت لمؤازرة النائب صداح الحباشنة الذي اثمرت مواقف البرلمان نحوه عن انطلاق الحراك الشعبي الذي كانت كل المؤشرات تدل على انه في حالة بيات شتوي وانه سوف يستعيد زخمه ونشاطه لان شروط زواله لم تتوافر بعد.

ان انطلاق حراك الكرك وعودة حراك الطفيلة وذيبان سيتبعه حتماً حراكات في مختلف ارجاء البلاد تعبيراً عن رفضها للحكومة ومجلس النواب، والكثير من الذين يتولون المسؤولية والقرار في البلاد، والذين اثبتوا عجزهم وفشلهم عن معالجة الازمة ، وحاولوا الاستخفاف بعقول الناس فمارسوا كل انواع الخداع والكذب والتضليل.

لقد نجح مجلس النواب بمواقفه الضعيفة وانقياده للسلطة التنفيذية في إسقاط نفسه شعبياً وإسقاط حكومة الملقي سياسياً. فالنظرة الشعبية للمجلس والحكومة واحدة ويسودها انعدام الثقة وعدم الاحترام لا بل الازدراء.

الأردن هذه الايام يجلس على فوهة بركان قابل للانفجار في اي لحظة, انفجار اذا حدث لا قدر الله لا يبقي ولا يذر، والذين يطالبون اليوم برحيل حكومة الملقي يعبرون عن مطالبهم باسلوب سلمي وديمقراطي، ولكن اذا ما نفد صبرهم واستمر قلقهم على مستقبلهم فانهم قد يلجأون في الغد الى وسائل اخرى اذا ما استنفدوا الاساليب الديمقراطية السلمية في التعبير عن رغباتهم ومطالبهم وتحقيق اهدافهم المشروعة وامانيهم المستقبلية.

اليوم الآمال معلقة على حكومة انقاذ وطني من طراز جديد تتألف من شخصيات وطنية وازنة مشهود لها بالنزاهة والاستقامة لا تضم في تشكيلها أي وزير من حكومة الملقي, التي افلست وفقدت كافة مبررات بقائها ومن العبث عودة اي من اعضائها الى اي حكومة مستقبلية لقد وصلنا الى ما وصلنا اليه من اخفاق وتعثر من هذه الحكومة وما شابهها من حكومات سابقة باهتة ولابد من انهاء عصر الوزراء عابري الحكومات من كثير الاقوال قليلي الافعال ينفق عليهم أكثر بكثير مما يستفاد منهم.

ويعوّل على حكومة الانقاذ الوطني ان تتخذ قرارات جريئة وتمارس الولاية العامة فعلا لا قولا, فتحدث اصلاحات جذرية في بنية النظام السياسي (...) وتعمل على استعادة مصادر الدولة التي تعرضت للنهب وتكافح الفساد وتقدم الفاسدين للعدالة, ونرى حيتان الفساد خلف القضبان وتسعى لصياغة خطط تنموية وطنية بعيداً عن اسلوب الجباية (...)

فالمواطنون في توق الى رجال دولة لا تجار سياسة وشعارات فارغة، بحيث يشعر الاردنيون انهم شركاء في السلطة والثروة وانهم يشاركون في ادارة شؤون البلاد بطريقه تكفل حقوقهم وحريتهم وكرامتهم، وأن عهد استبعادهم عن المشاركة في الشأن العام قد ولى الى غير رجعة.

اننا نأمل ان تكون حكومة الانقاذ الوطني نقطة انطلاق الاصلاح الحقيقي، فتعود الامور الى نصابها وتتعزز مشروعية النظام السياسي وتضمن له الديمومة والاستمرارية فالاستجابة للضغوط والمطالب الشعبية نقطة قوة وليست ضعفا وكسر ارادة، تحسب للنظام السياسي ولا تحسب عليه وتؤكد مرونته وقدرته على ادارة الازمة داخل الدولة بطريقه ديناميكية وديمقراطية ....

ليس امامنا الكثير من الوقت أو الخيارات للمناورة او التفكير والتأمل وذلك من اجل الارتقاء الى مستوى تحديات المرحلة وتجاوز الازمة الحالية وحالة الاحتباس السياسي وتضميد جراح الوطن والعبور الى شاطئ الامان بثقة وتصميم من أجل حياة افضل للشعب الاردني الذي صبر وعانى ووهب واعطى آلاف المرات اكثر مما اخذ ونال عبر مسيرة طويلة شاقة مليئة بالتحديات، حياة اكثر يسرا وعدالة واقل حرماناً وتهميشاً وعنفاً.

نأمل ان تجد هذه الدعوة الصادقة اذاناً صاغية وضميراً وطنياً في هذا الظرف الدقيق فتزول الغشاوة والقلق والاضطراب ويشعر الناس بالثقة والاطمئنان بعد اتخاذ ما يستدعيه الموقف من اجراءات.

اننا نجتهد في رسم طريق العمل هذا, نأمل ان تتحقق النتائج التي نتوخاها بالسرعة المطلوبة التي يقتضيها الموقف وبخلاف ذلك نكون قد ضللنا الطريق وربما وصلنا الى درجة من الانغلاق والتحجر والفساد والاستبداد فتزداد الازمة وتتعمق وعندها لا نستطيع ان نفعل شيئا في وجه خطر محدق مؤكد يهدد أمننا وبلدنا ووجودنا ومستقبلنا .

وختاما نؤكد اننا نقول الاشياء بمسمياتها وحقائقها وتفاصيلها بكل شفافية وصراحة لاننا على يقين ان المسؤولية الوطنية والاخلاقية التي يتحملها كل منا في هذا الوطن تفرض علينا جميعا ان نحدد موقفنا بكل وضوح وامانة ورجولة وصراحة بما يرضي الله والضمير وبصوت مصالح البلاد والعباد.

ندعو الله ان يلهمنا الحكمة والرشاد ويهدينا سواء السبيل اللهم احفظ الاردن واهله وابعد عنه رياح الربيع العربي.

* أستاذ العلوم السياسية جامعة اليرموك
مدار الساعة ـ نشر في 2017/02/19 الساعة 21:33