تواصلنا مع الآخر من خلال الرؤية الملكية
مدار الساعة ـ نشر في 2018/11/12 الساعة 00:39
بيّن جلالة الملك في خطابه أمام البرلمان الأوروبي، المنعقد في فرنسا بستراسبورغ 2002م: أن علينا أن لا ننجرّ نحو إطلاق الأحكام العمومية، وألا نستسلم للتصورات الخاطئة. وهذا تحديد من جلالته لأهم ما ينغص عملية التواصل مع الآخر، بل إن هذين الأمرين يؤججان الصراع بين الشعوب والأمم.
الأول، إطلاق الأحكام العمومية، أو ما يعرف بتعميم الأحكام، ومثالها، لو سار رجل في فرنسا فتعرض للنشل، سنجد من يقوم بعملية تعميم مباشرة يطلقها مفادها: الفرنسيون لصوص! وهذا ما كنا نلحظه عند قيام بعض الإرهابيين -ممن ينسبون أنفسهم للإسلام- بعمليات إرهابية في مكان ما حيث يقال: المسلمون إرهابيون، والإسلام دين الإرهاب، مع أن هذه الثلة القليلة لا تشكل شيئا أمام ما يزيد على مليار وثلث من المسلمين. هذا التحذير من تعميم الأحكام، وتسليط الضوء على خطورته في محله، لأن الإجراءات الصارمة، ستطبق على جميع من تمّ تعميم الحكم ضدهم، وكذلك سينمو الشعور بالكراهية، ويتصعد خطابها تجاه من عمم في حقهم الحكم، مما يرفع درجات الكره بين الأمم والشعوب دون سبب حقيقي.
والثاني، الاستسلام للتصورات الخاطئة، حيث يشكل بعضنا بقصد أو بغير قصد تصوّرا خاطئا عن بعض المفاهيم أو الأشخاص، ويتعامل في حياته على وفق هذا التصوّر الخاطئ، ليحصد نتائج غير صحيحة، وغير مرغوب فيها. فمثلا يتكون عند فريق من الناس في الغرب تصور خاطئ عن الإسلام والمسلمين، حيث يعتبرون الإسلام دينا يحضّ على العنف وكراهية الآخر، وأن المسلمين متطرفون وإرهابيون، ويتعاملون في حياتهم تبعا لتصورهم الخاطئ وحكمهم المسبق، مما يضعف منسوب الوئام بين البشر.
كما أكد جلالته في خطابه أن على الشعوب أن تدرك وتتفهم القيم المشتركة والمنافع الهائلة للشراكة بينها. وبهذا نستطيع أن نتجاوز النقطة الأولى، فقبل تعميم الأحكام، على الشعوب أن تستيقظ من غفلتها ودهشتها، لتتذكر أن قيما كثيرة تجمعها، وتؤلف بينها، كقيم العدل واحترام الآخر، وحقوق الإنسان، والمساواة، والعيش المشترك، والسلام، وصناعة غد مشرق. كما عليها أن تتذكر أنّ الشراكة والتعاون والتكامل بين الشعوب تحقق مصالحهم وتؤمّن المنافع للجميع. فالتعاون المشترك بين الحكومات والشعوب، هو السبيل الأمثل للقضاء على أصحاب الأفعال التي لا تنسجم مع القيم الإنسانية الجامعة للشعوب.
وفي اختتام أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي في اجتماعه الاستثنائي السنوي بالأردن/ البحر الميت 2003م بيّن جلالته:
أن «العدل واحترام الآخر تحتل جزءاً من أعمق ما بشر به ديننا الحنيف». وهذان العنصران من أهم دعائم الوئام بين البشر، فمتى فقد العدل نشب الصراع، ولا بد مع العدل من احترام وجود الآخر، فهو جزء من العدل أيضا، فالبشر متساوون في إنسانيتهم وكرامتهم، فلم لا يحترمون بعضهم؟
وبين جلالته أن «الإسلام ينادي بعملية حثيثة من الحوار» وهذا عبارة دقيقة، فكثير من الآيات الكريمة في القرآن تحثنا على حوار الآخر، لنتمكن من فهمه، وإزالة المجهولية عنه، حتى نكتشف الأرضية المشتركة بيننا، لنبني عليها عملا مشتركا متكاملا، فلا يكون الاختلاف سبيلا للفرقة، بل إضافة للجميع.
وفي كلمة جلالة الملك في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية في روسيا 2004م قال جلالته: إن «التغيير الإيجابي يبدأ عندما تتهاوى الجدران، وتتفتح العقول، ونتواصل واحدنا مع الآخر في نطاق الاحترام المتبادل»، فهذه ثلاثة نقاط في غاية الأهمية إن أردنا أن يعمّ الوئام بين البشر، فهدم الحواجز بيننا وبين الآخر، يجعلنا نراه ونقترب منه، ثم تفتح العقول للحوار، ثم التواصل مع الاحترام المتبادل.
الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2018/11/12 الساعة 00:39