المواطن والهوية

مدار الساعة ـ نشر في 2018/11/04 الساعة 00:08
يعاني المواطن في منطقتنا من مجموعة من المشاكل تعطّل من فاعليته وتهدر طاقته، وتجعلها تصرف في غير مكانها الصحيح، ومن أهم هذه المشكلات مشكلة الهوية. فالمواطن في أيامنا هذه يعيش صراعا في هويته، مما يشكل ضياعا في الفكر والهدف، فعلى سبيل المثال، هل يكون انتماء المواطن وولاؤه للعشيرة أو للوطن أو للدين أو للمذهب، سؤال يبحث عن جواب؟
واجب الحماية والرعاية من أهم وظائف الدولة، وكذلك تأمين التعليم المناسب والوظيفة المناسبة هي من مهامها. وكذلك تطبيق العدالة وتكافؤ الفرص هو أهم ضمانة يجب على الدولة أن تحققها بين الأفراد، ولأن الطبيعة لا تقبل الفراغ، فإن الدولة إذا لم توفر ما سبق للمواطنين، سيتجهون إلى من يفعل ذلهم ذلك.
لا يمكن أن يكون الانتماء والولاء مجّانا، بل يحتاج إلى ما يصنعه، فهو ليس حبا عذريا من طرف واحد، وهنا تأتي مسؤولية الدول في بناء جيل يحمل معاني الحب والولاء من خلال قيم العدل والمساواة وتكافؤ الفرص وحل المشكلات.
من خلال تبدل الهوية والانتماء السابق، نستطيع أن نفهم سبب العنف المدرسي والجامعي وحتى العنف المجتمعي، فالفرد لا يشعر أن الآخر شريك له في الوطن، وأن رابطة المواطنة تجمع بينهما، بل يراه عدوا يحاول أن يفرض وجوده عليه، وأن يخطف اللقمة من فمه، وهذا يبني الصراع بين الأفراد، فبدل أن نعمل بمبدأ الشراكة والتكامل، نسير في اتجاه الصراع والتنافر، مما يجعل العلاقات بين الأفراد محتقنة، ومستعدة للاشتعال في أية لحظة.
ومثل هذا يقال عندما تقوم انتماءات أخرى بواجبات الدولة، من حيث التعليم وتوفير فرص العمل، والحماية وغيرها، وسيكون الانتماء أكبر وأعظم من الانتماء للدولة، وستبنى العلاقات بين الانتماءات المختلفة على النزاع والصراع، ويصير الوطن كالفريسة التي يحاول كل واحد من الصيادين أن يأخذ منها حصة أكبر من حصة الآخر.
يقول المثل الأجنبي (لا يوجد غداء بالمجان) فلا يتوقع الإنسان أن يحصل على شيء دون أن يدفع بمقابله، وهذا ما على الدول أن تفهمه وتعمل من أجله، وهو واجبها بالمقام الأول، فهي لن تجد جيلا من المواطنين ينتمي إليها، لمجرد أنه يحمل جنسيتها، أو ولد على أرضها، هذا الحب المثالي أو الرومانسي أظنه غير واقعي، إن القيام بالواجبات وتأمين الاحتياجات للمواطنين هو من يصنع ولاءهم وانتماءهم، فحيث يشعر المواطن أن ظلّ العدالة والمساواة يشمله، عندها سيجد الوطن الذي ينتمي إليه ويدافع عنه ويموت من أجله. وحيث فقد هذا الظلّ، سيشعر أن هذا الوطن ليس له، بل لأفراد معيّنين، وسيبحث عن وطن آخر يهاجر إليه ليوفر احتياجاته، ويشعر فيه بكرامته وإنسانيته.
إن خروج الإنسان من وطنه ليس أمرا سهلا عليه، لكنه قد يكون خياره الوحيد، إذا عاش الغربة الحقيقية في وطنه. الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2018/11/04 الساعة 00:08