الوزير الأسبق حازم الناصر يخرج عن صمته ويتحدث عن الفيضان الومضي لوادي زرقاء-ماعين.. هذا ما حدث
مدار الساعة - تحت عنوان "الفيضان الومضي لوادي زرقاء-ماعين والتغير المناخي وضرورة تبني وبناء سياسات المنعة لمواجهة أثر التغير المناخي على القطاعات المختلفة" كتب وزير المياه والري ووزير الزراعة الأسبق والخبير الدولي في مجال المياه، علىى صفحته الفيسبوكية، وقال:
لقد قمنا قبل عدة أعوام (٢٠١٤-٢٠١٦) وفريق من وزارة المياه والري وبالتعاون مع جامعة ستانفورد الامريكية الشهيرة بأجراء دراسات تم تمويلها بالكامل بمنحة من نفس الجامعة هدفها استشراق المستقبل من خلال نماذج رياضيه تحاكي المستقبل ويتم معايرتها من خلال ربطها بنماذج التنبؤ الجوي العالمية والتي خلصت وبعد ان تم نشرها بدوريات عالمية محكمة الى ان معدلات الهطول المطري في المناطق الوسطى والجنوبية من المملكة ستتناقص وبمعدل ٢/١ ملم في العام وبالتالي انخفاض معدلات الهطول المطري في تلك المناطق وسيؤدي هذا التغير الى المزيد من موجات الحر خلال الصيف بالإضافة الى زيادة تكرار وشدة الفيضانات بسبب الهطول الشديد للأمطار في مناطق محددة وبفترة زمنية قصيرة وهو مؤشر عالمي رئيسي على التغير المناخي والذي داهم الدول النامية بشكل عام دون ان تكون قد تحضرت وتنبهت لتبعات هذا التغير المناخي. وهذا ما شهدناه بالفعل العام الحالي وبالتحديد في شهر نيسان /٢٠١٨ حيث أدت الفيضانات الكبيرة التي ضربت جنوب المملكة الى امتلاء وفيضان سدي الموجب والوالة (انظر الصور) وفيضان كمية كبيرة من المياه باتجاه البحر الميت وكذلك تخزين كمية مياه كبيرة في سد التنور لم نعتاد عليها بالسابق، وكذلك كارثة وادي زرقاء-ماعين والتي سأتطرق اليها بالتفصيل لاحقاً.
وبناءً على الدراسات سابقة الذكر وغيرها:
Rahman et al. (2015): Declining Rainfall and Regional Variability Changes in Jordan, Water Res. 51(5))
و
(Abdulla (2015): 21st Century Projections for Precipitation and Temperature Change in Jordan, Report to MWI, Jordan)
فقد تم اصدار وفي العام ٢٠١٦ سياسة بناء المنعة لمواجهة أثر التغير المناخي على قطاع المياه وخاصة لمواجهة:
1. ارتفاع معدلات درجات الحرارة التي تؤدي الى زيادة التبخر، لاسيما وان متوسط درجة الحرارة في الأردن ترتفع بحوالي ١٠/٢ درجة مئوية كل ١٠ سنوات مما أدى على سبيل المثال الى رفع متوسط درجة الحرارة في عمان ما يزيد على ١،٥ درجة مئوية وانخفاض الهطول المطري لأخر ٧٠ عام بما لا يقل عن ٥٠ ملم سنوياً.
2. نقصان الهطول المطري مما يؤدي الى نقصان تغذية الموارد المائية السطحية والجوفية.
3. زيادة التباين والتذبذب في أنماط الهطول المطري الزماني والمكاني والذي أدى الى المزيد من التغيرات المتمثلة في شدة الجفاف وشدة الفيضانات.
وعلية فقد بدأ العمل على مواجهة المحاور الثلاث أعلاه من خلال خطة طويلة الأمد لبناء المزيد من السدود وزيادة موارد المياه وإعادة الاستعمال ...الخ من خلال حزمة كبيرة من المشاريع التي بداء العمل بها خلال الأعوام الماضية.
ولعل البند رقم (٣) أعلاه يفسر ما حصل في "فاجعة البحر الميت" والتي نترحم على ضحاياها صباحاً ومساء لا بل ادخلتنا بحزن واكتأب شديدين فما بالكم بذويهم واقاربهم وأقرانهم واطلب من الله العلي القدير ان يصبرهم ويمنحهم القوة انه سميع مجيب.
وبالعودة الى تفسير ما حصل فأن شدة الهطول المطري والتي بلغت في منطقة ماعين ٥٠ ملم في فترة زمنية لم تتجاوز ال ٢٠ دقيقة على جزء من مساحة الحوض المغذي لوادي زرقاء-ماعين والبالغة تقريباً٦٠-٧٠ كم مربع أدت الى جريان ومضي بسرعة عالية جداً قد تكون وصلت ال ما بين ١٠٠٠-١٥٠٠ متر مكعب بالثانية نتج عنه سرعة مياه بحدود ١٠ متر/ثانية وهي سرعة جنونية قادرة على تدمير كل ما هو بطريقها، اخذين بعين الاعتبار فرق الارتفاع ما بين مصب وادي زرقاء-ماعين على البحر الميت والمرتفعات العالية التي سقطت عليها المطار الغزيرة والذي هو (أي فرق الارتفاع) ما بين ١٠٠٠-١٢٠٠ متر والذي ساهم بشكل كبير بالإضافة الى شدة الهطول المطري الى زيادة سرعة المياه بقوة دفع عالية باتجاه البحر الميت. وما قيل عن فتح بوابات سد زرقاء-ماعين هو غير ممكن من الناحية الفنية كون لا يوجد للسد بوابات وهذا هو الحال الفني وتصاميم السدود الصغيرة باستثناء المفيض (وهو مخرج لمياه الفيضانات) ولا يعمل الا إذا امتلئ السد بالكامل وهو لم يحصل وذلك من خلال المشاهدات والأرقام الفنية التي أعلنتها الوزارة.
وبالإشارة الى عنوان هذه المقالة وبالأخص ضرورة تبني سياسات وأدوات جديدة لمواجهة اثر التغير المناخي، فبالإضافة الى فكرة انشاء المركز الوطني لإدارة الازمات الذي بدأ العمل به قبل عدة سنوات وبداء يتطور تدريجياً من خلال التنسيق ما بين الوزارات والمؤسسات المختلفة فهناك حاجة ماسة الى قيام بعض الوزارات والمؤسسات المعنية بتبني سياسات (إسوة بوزارة المياه والري) واضحة للتعامل مع أثر التغير المناخي خلال السنوات القادمة من تدريب للكوادر على هذه الأنماط من الكوارث وانشاء شبكة للإنذار المبكر والتعاون الإقليمي خاصة في مجال الارصاد الجوية واخيراً توعية المواطنين بخطورة هذه الكوارث، لا بل وادخالها في مناهجنا المدرسية. علما بان مؤسسات التمويل العالمية تمول وبمنح برامج زيادة المنعة لمواجهة أثر التغير المناخي وخاصة بعد توقيع اتفاقية التغير المناخي في فرنسا عام ٢٠١٥ او ما يسمى (COP21).
الدكتور حازم الناصر
خبير دولي في مجال المياه
وزير المياه والري ووزير الزراعة الأسبق
عمان ٢/١١/٢٠١٨