مُسيلمة الكذّاب وكيد المستشرقين

مدار الساعة ـ نشر في 2017/02/18 الساعة 01:09
ترى.. كم من مسيلمة «كذاب» اليومَ في أُمّة العرب، وكم من فتنة لُهامٍ تأكل الاخضر واليابس تُنتظر من هؤلاء؟.

لقد استخف مسيلمة قومه، فلم يعودوا يرون إلا ما يرى، وما يدّعى أنه تنزّل عليه مثل قولِهِ: «يا ضفدع نُقّى نُقّى، لا الشارب تمنعين، ولا الماء تكدّرين، لنا نِصْفُ الأرض، ولقريش نصف الأرض، ولكنّ قريشاً قوم يعتدون».

ولقد كان في بني حنيفة من يدرك سخف ما يقول مسيلمة وكان من هؤلاء طلحة النّمري الذي قيل إنه جاء فقال: أين مسيلمة، فقالوا: مَه.. رسول الله، فقال: لا، حتى أراه، فلمّا أتاه قال: أنت مسيلمة؟ قال: نعم، قال: من يأتيك؟، قال: رحمان قال: أفي نور أم في ظلمة؟، قال: في ظلمة، فقال: أشهدُ أنّك كذّاب، وان محمداً صادق، ولكنّ كذّاب ربيعة أحبّ إليّ من صادق مُضر.

وليس أمراً مُستغرباً أن تمكّن العصبية القبلية لمسيلمة الكذّاب كل تمكين في قومه، على حين عانى ما عانى نبيّنا الصادق الأمين من عصبية قومه وشدة خصومتهم، وفارق ما بين ما كان من قوم مسيلمة معه وما كان من قريش مع الرسول محمد صلوات الله وسلامه عليه هو فارِقُ ما بين النبوة الكاذبة وبين النبوة الصادقة. لا يتمارى في ذلك عاقلان.

ولو ان ما تولّى كِبْرَه مسيلمة واضرابه لم يواجه بعزيمة صادقة من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وجلّة من صحابة رسول الله؛ لما كان لدين الله هذا الحضور الغامر اليوم في العالمين، ولما كان لأُمّة العرب حضارة ولا تاريخ مجيد ولا رسالة باقية إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.

لقد لغط المستشرقون (ومعظمهم صهاينة) في حروب الردة ما شاءت لهم أحقادهم أن يلغطوا، وتعاظمتهم نتائج هذه الحروب وما انتهت اليه من وحدة الجزيرة العربية ومن انتشار الإسلام ومن تحرير الشام والعراق ومصر، فتنادوا الى فهم سقيم يبثونه في صحائفهم، واخترعوا رؤية ملتوية تضع كذّاب بني حنيفة الأشِرَ في جماعة الأحناف، وتدّعي أن مئات الشهداء من حفظة القرآن الذين استشهدوا في حروب الردة كانوا لهذا الأفّاك ظالمين، إلى غير ذلك من التخرّصات.

واذا كنا لا نستغرب هذا التشويه المتعمد لتاريخنا من قبل طائفة المستشرقين، فإن مما نستغربه ان يُهْرَع منا في آثارهم من يتلهفون الى ان يقال فيهم انهم اهل شجاعة واهل عمق واهل تحقيق وتدقيق وما هم في قليل او كثير من ذلك، ولكنه ضَعْفُ الأنفس وسطوة الهوى واستبدال الذي هو ادنى من الزهو الرخيص بالذي هو خير من نشدان الحق، وساءَ ذلك سبيلا.

على أن صفحة جديدة توشك أن تُفتح في الدراسات الأُوروبية والأميركية، وكذلك في الصين واليابان، حول الإسلام. وقد بدأ ذلك العربي المسيحي ادوارد سعيد بكتابيه «الاستشراق» و»تغطية الإسلام»، فكان ذلك إيذاناً بانتهاء الاستشراق الاستعماري الذي ما تزال من جيوب متفرقة، في مراكز الدراسات الغربية، ولا يزال له من ينعق بتخرصاته بين ظهرانينا، وإن كان ذلك في تخافت، وفي بُؤرٍ محدودة ضعيفة الأثر مَكشوفة التدبير.

الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2017/02/18 الساعة 01:09